الفقر والشدة والبلاء، {وَالضَّرَّاءُ} [البقرة: ٢١٤] المرض والزَّمَانة، {وَزُلْزِلُوا} [البقرة: ٢١٤] أَيْ: حُركوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وخُوّفوا، {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٤] مَا زَالَ الْبَلَاءُ بِهِمْ حَتَّى استبطأوا النَّصْرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الْبَقَرَةِ: ٢١٤] قَرَأَ نَافِعٌ (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ.
[٢١٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٥] «نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا نَتَصَدَّقُ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٥] » ، وَفِي قَوْلِهِ: (مَاذَا) وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ نَصْبًا بِقَوْلِهِ: (يُنفِقُونَ) ، تَقْدِيرُهُ أَيَّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ رفعًا بـ (مَا) وَمَعْنَاهُ: مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: ٢١٥] أَيْ: مِنْ مَالٍ، {فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢١٥] يُجازيكم بِهِ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَنُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ.] . . . .
[٢١٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: ٢١٦] أَيْ: فُرض عَلَيْكُمُ الْجِهَادُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ عَطَاءٌ: الجهادُ تَطَوُّعٌ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النِّسَاءِ: ٩٥] وَلَوْ كَانَ الْقَاعِدُ تَارِكًا فَرْضًا لَمْ يكن بعده الحُسنى، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ: الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَالَ قَوْمٌ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْجِهَادَ فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، مِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ورَدِّ السَّلَامِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزُوا أو قعدوا، فَمَنْ غَزَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ استُعين بِهِ أَعَانَ وَإِنِ استُنفر نَفَر وَإِنِ استُغني عَنْهُ قَعَد، قَوْلُهُ تعالى: {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] أَيْ: شَاقٌّ عَلَيْكُمْ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: هَذَا الْكُرْهُ مِنْ حَيْثُ نفورُ الطَّبْعِ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْمَالِ وَمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَخَطَرِ الرُّوحِ، لَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: ٢٨٥] يعني: أنهم كرهوا ثُمَّ أَحَبُّوهُ، فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] لِأَنَّ فِي الْغَزْوِ إِحْدَى الحُسنيين إِمَّا الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ، {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} [البقرة: ٢١٦] يَعْنِي: الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ، {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦]
[٢١٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ٢١٧] ؟ يعني: رجبًا، وسُمي بذلك لتحريم القتال فيه، قوله تعالى: {قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: ٢١٧] أَيْ: عَنْ قِتَالٍ فِيهِ {قُلْ} [البقرة: ٢١٧] يَا مُحَمَّدُ: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] عَظِيمٌ، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٧] وصدكم الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ {وَكُفْرٌ بِهِ} [البقرة: ٢١٧] أَيْ: كُفْرُكُمْ بِاللَّهِ، {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ٢١٧] أي: بالمسجد الحرام، وقيل: صدكم عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ} [البقرة: ٢١٧] أَيْ: إِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ {مِنْهُ أَكْبَرُ} [البقرة: ٢١٧] أعظم وزرًا {عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ} [البقرة: ٢١٧] أَيِ: الشِّرْكُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، {أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ٢١٧] أي: أعظم من القتل في الشهر الحرام {وَلَا يَزَالُونَ} [البقرة: ٢١٧] يعني: مشركي مكة {يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ٢١٧] يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، {حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} [البقرة: ٢١٧] يَصْرِفُوكُمْ، {عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ} [البقرة: ٢١٧] بطلت {أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: ٢١٧] حَسَنَاتُهُمْ {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢١٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute