نُوحٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعث، ثُمَّ بَعث بَعْدَهُ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ، ورُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُفَّارًا كُلُّهُمْ فَبَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقِيلَ: كَانَ الْعَرَبُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ غَيَّرَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ لعنة الله عليه، ورُوي عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ حِينَ عُرضوا عَلَى آدَمَ وَأُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِهِ، وَأَقَرُّوا بِالْعُبُودِيَّةِ لله تعالى أُمَّةً وَاحِدَةً مُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً قَطُّ غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ آدَمَ، نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ [آية١٩] ، {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} [يونس: ١٩] {مُبَشِّرِينَ} [البقرة: ٢١٣] بِالثَّوَابِ مَنْ آَمن وَأَطَاعَ، {وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] مُحَذِّرِينَ بِالْعِقَابِ مَنْ كَفَرَ وَعَصَى، {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ٢١٣] أَيِ: الْكُتُبَ، تَقْدِيرُهُ: وَأَنْزَلَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْكِتَابَ، {بِالْحَقِّ} [البقرة: ٢١٣] بِالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ، {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: ٢١٣] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (لِيَحْكُمَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ هَاهُنَا، وَفِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي النُّورِ مَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يَحْكُمُ في الحقيقة إنما يُحكم بِهِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، أَيْ: لِيَحْكُمَ الْكِتَابُ، ذَكَرَهُ عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الْجَاثِيَةِ: ٢٩] وَقِيلَ مَعْنَاهُ لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بِكِتَابِهِ، {فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [البقرة: ٢١٣] أَيْ: فِي الْكِتَابِ {إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ} [البقرة: ٢١٣] أَيْ: أُعْطُوا الْكِتَابَ، {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة: ٢١٣] يَعْنِي: أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ الْفِرَّاءُ: وَلِاخْتِلَافِهِمْ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا كُفْرُ بَعْضِهِمْ بِكِتَابِ بَعْضٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النِّسَاءِ: ١٥٠] وَالْآخَرُ: تَحْرِيفُهُمْ كِتَابَ الله قال الله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النِّسَاءِ: ٤٦] وَقِيلَ: الْآيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِتَابُهُ، اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة: ٢١٣] صِفَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - في كتبهم، {بَغْيًا} [البقرة: ٢١٣] ظُلْمًا وَحَسَدًا {بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١٣] أي: إلى ما اخْتَلَفُوا فِيهِ، {مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢١٣] بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ فَهَدَانَا اللَّهُ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ، فَأَخَذَتِ الْيَهُودُ السَّبْتَ، وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي عيسى فجعلته اليهود الفِرية، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا، وَهَدَانَا اللَّهُ لِلْحَقِّ فِيهِ، {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ٢١٣]
[٢١٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: ٢١٤] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الْأَحْزَابِ: ١٠] وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أُحد، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، واَثروا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لقلوبهم (أم حَسِبتُم) ، معناه أَحَسِبْتُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تدخلوا الجنة، {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} [البقرة: ٢١٤] أي: ولم يأتكم و (ما) صلة {مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا} [البقرة: ٢١٤] شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا، {مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١٤] من النبيين والمؤمنين، {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} [البقرة: ٢١٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute