للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ شُكْرَ نِعْمَةِ ربه عليه فيهما.

[٦٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٦٣] يعني أَفَاضِلُ الْعِبَادِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِلَّا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ. {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] يعني بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مُتَوَاضِعِينَ غَيْرَ أَشِرِينَ وَلَا مَرِحِينَ، وَلَا مُتَكَبِّرِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عُلَمَاءٌ وَحُكَمَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: أَصْحَابُ وَقَارٍ وَعِفَّةٍ لَا يُسَفِّهُونَ، وَإِنْ سُفِّهَ عَلَيْهِمْ حلموا، والهون فِي اللُّغَةِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان: ٦٣] يَعْنِي السُّفَهَاءُ بِمَا يَكْرَهُونَ {قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] قَالَ مُجَاهِدٌ: سَدَادًا مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: قُولًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ جَهَلَ عَلَيْهِمْ جَاهِلٌ حَلُمُوا وَلَمْ يَجْهَلُوا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامُ الْمَعْرُوفُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ سَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ. {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الْقَصَصِ: ٥٥] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ: وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: هَذَا وَصْفُ نَهَارِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ و {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: ٦٤] قال: هذا وصف ليلهم.

[٦٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ} [الفرقان: ٦٤] يُقَالُ لِمَنْ أَدْرَكَ اللَّيْلَ: بَاتَ نَامَ أَوْ لَمْ يَنَمْ، يُقَالُ: بَاتَ فُلَانٌ قَلِقًا, وَالْمَعْنَى يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ بِاللَّيْلِ فِي الصَّلَاةِ، {سُجَّدًا} [الفرقان: ٦٤] على وجوههم، {وَقِيَامًا} [الفرقان: ٦٤] عَلَى أَقْدَامِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ بَاتَ لله ساجدا وقائما.

[٦٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: ٦٥] يعني مُلِحًّا دَائِمًا لَازِمًا غَيْرَ مُفَارِقٍ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمِنْهُ سُمِّي الْغَرِيمُ لِطَلَبِهِ حَقَّهُ والحاجة على صاحبه وملازمته إياه. وقيل: غراما هلاكا.

[٦٦] {إِنَّهَا} [الفرقان: ٦٦] يعني جهنم، {سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: ٦٦] يعني بِئْسَ مَوْضِعُ قَرَارٍ وَإِقَامَةٍ.

[٦٧] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِسْرَافُ النَّفَقَةُ فِي معصية الله وإن قلت، والإقتار مَنَعُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يُنْفِقُوا فِي مَعَاصِي اللَّهِ وَلَمْ يُمْسِكُوا عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْإِنْفَاقِ، حَتَّى يدخل في حد التبذير، والإقتار التَّقْصِيرُ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لَا يُجِيعُهُمْ وَلَا يُعَرِّيهِمْ وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةً يَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْرَفَ، {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] قَصْدًا وَسَطًا بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، حسنة بين السيئتين.

[قوله تعالى وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ] وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ. . .

[٦٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] الآية. «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ. "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ "، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جارك» ، فأنزل الله تصديقها: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) ، أَيْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأفعال، (يَلْقَ أَثَامًا) ، يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّمَا يُرِيدُ جَزَاءَ الْإِثْمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْآثَامُ الْعُقُوبَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْآثَامُ واد في جهنم.

[٦٩] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٩] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ (يُضَاعَفُ) وَ (يَخْلُدُ) بِرَفْعِ الْفَاءِ والدال على الابتداء وشداد بن عَامِرٍ (يُضَعِّفُ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ الْفَاءِ وَالدَّالِ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>