للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزواجهم وخدمهم، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلًا، فَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ الْمَنْزِلُ وَالْأَهْلُ لَهُ، وَمَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ دَخَلَ النَّارَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَنْزِلُ وَالْأَهْلُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ: خُسْرَانُ النَّفْسِ بِدُخُولِ النَّارِ، وَخُسْرَانُ الْأَهْلِ بِأَنْ يفرق بينه وبين أهله، وذلك هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.

[١٦] {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} [الزمر: ١٦] أَطْبَاقُ سُرَادِقَاتٍ مِنَ النَّارِ وَدُخَّانِهَا، {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: ١٦] فِرَاشٌ وَمِهَادٌ مِنْ نَارٍ إِلَى أن ينتهي إلى القعر، سمي الْأَسْفَلَ ظُلَلًا لِأَنَّهَا ظُلَلٌ لِمَنْ تَحْتِهُمْ نَظِيرُهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الْأَعْرَافِ: ٤١] {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: ١٦] ١٧،

[١٨] {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} [الزمر: ١٧] الْأَوْثَانَ، {أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} [الزمر: ١٧] رَجَعُوا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، {لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: ١٧] في الدنيا بالجنة وفي العقبى بالمغفرة، {فَبَشِّرْ عِبَادِ - الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزمر: ١٧ - ١٨] القرآن {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] قَالَ الْسُّدِّيُّ: أَحْسُنُ مَا يُؤْمَرُونَ به فيعملونه. وقيل: هو أن الله ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ الِانْتِصَارَ مِنَ الظَّالِمِ وَذَكَرَ الْعَفْوَ، وَالْعَفْوُ أَحْسَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَقِيلَ: ذَكَرَ الْعَزَائِمَ [وَالرُّخَصَ فَيَتَّبِعُونَ الْأَحْسَنَ وَهُوَ الْعَزَائِمُ] (١) وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ وَغَيْرَ الْقُرْآنِ فَيَتَّبِعُونَ الْقُرْآنَ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: آمَنَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِإِيمَانِهِ فَآمَنُوا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ - الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٧ - ١٨] وَكُلُّهُ حَسَنٌ. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: ١٨] وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} [الزمر: ١٧] الْآيَتَانِ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بن نفيل وأبو ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَالْأَحْسَنُ: قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

[١٩] {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} [الزمر: ١٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: كَلِمَةُ الْعَذَابِ قَوْلُهُ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [الأعراف: ١٨] وقيل: كلمة العذاب قَوْلُهُ: "هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي " (٢) . {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} [الزمر: ١٩] أَيْ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَبَا لَهَبٍ وَوَلَدَهُ.

[٢٠] {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: ٢٠] أَيْ مَنَازِلُ فِي الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ وَفَوْقَهَا مَنَازِلُ أَرْفَعُ مِنْهَا، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: ٢٠] أَيْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ تِلْكَ الْغُرَفَ والمنازل وعدا لا يخلفه.

[٢١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ} [الزمر: ٢١] أدخل ذلك الماء، {يَنَابِيعَ} [الزمر: ٢١] عيونا وركايا، {فِي الْأَرْضِ} [الزمر: ٢١] قَالَ الشَّعْبِيُّ: كُلُّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ فَمِنَ السَّمَاءِ نَزَلَ، {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ} [الزمر: ٢١] بالماء {زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [الزمر: ٢١] أَحْمَرُ وَأَصْفَرُ وَأَخْضَرُ، {ثُمَّ يَهِيجُ} [الزمر: ٢١] ييبس، {فَتَرَاهُ} [الزمر: ٢١] بُعْدَ خُضْرَتِهِ وَنَضْرَتِهِ، {مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} [الزمر: ٢١] فُتَاتًا مُتَكَسِّرًا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [الزمر: ٢١]

[قوله تعالى أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ] عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ. . .

[٢٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الزمر: ٢٢] وَسَّعَهُ لِقَبُولِ الْحَقِّ، {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢] كمن أقسى الله قلبه؟ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: ٢٢] قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ. مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، وَمَا غَضِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قَوْمٍ إِلَّا نزع منهم الرحمة.

[٢٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزُّمَرِ: ٢٣] يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَيْسَ فِيهِ تناقض ولا اختلاف.


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥ / ٢٣٩.
(٢) ما بين المعكوفتين من نسخة محمد النمر وزملائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>