للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّقِيُّ الَّذِي يُذْنِبُ وَلَا يَتُوبُ.

[٣٣] {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: ٣٣] أي السلام عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ طَعْنِ الشَّيْطَانِ. {وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: ٣٣] أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنَ الشِّرْكِ، {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: ٣٣] من الأهوال، فلما كَلَّمَهُمْ عِيسَى بِهَذَا عَلِمُوا بَرَاءَةَ مَرْيَمَ ثُمَّ سَكَتَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْمُدَّةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا الصِّبْيَانُ.

[٣٤] {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [مَرْيَمَ: ٣٤] قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ ذَلِكَ الَّذِي قَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، {قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم: ٣٤] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ: {قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم: ٣٤] بِنَصْبِ اللَّامِ وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ: قَالَ: قَوْلَ الْحَقِّ، {الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم: ٣٤] يَخْتَلِفُونَ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ, وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِ اللَّامِ يَعْنِي هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ، أَيْ هَذَا الْكَلَامُ هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ، أَضَافَ الْقَوْلَ إِلَى الْحَقِّ، كَمَا قَالَ: حق اليقين، ووعد الصِّدْقِ، وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، يَعْنِي ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْحَقُّ هُوَ اللَّهُ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ وَيَشُكُّونَ وَيَخْتَلِفُونَ وَيَقُولُونَ غَيْرَ الْحَقِّ، ثُمَّ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْوَلَدَ، ثم عظم نفسه فَقَالَ:

[٣٥] {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: ٣٥] أَيْ مَا كَانَ مِنْ صِفَتِهِ اتِّخَاذُ الْوَلَدِ. وَقِيلَ: اللَّامُ مَنْقُولَةٌ أي ما كان الله أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ، {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا} [مريم: ٣٥] إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ أَمْرًا، {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: ٣٥]

[٣٦] {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} [مريم: ٣٦] قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو أَنَّ اللَّهَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: ٣١] وَبِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، وَقَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، {فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم: ٣٦]

[٣٧] قوله: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} [مريم: ٣٧] يَعْنِي النَّصَارَى سُمُّوا أَحْزَابًا لِأَنَّهُمْ تَحَزَّبُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِي أَمْرِ عِيسَى، النُّسْطُورِيَّةُ وَالمَلِكَانِيَّةُ وَاليَعْقُوبِيَّةُ. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: ٣٧] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

[٣٨] {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: ٣٨] أَيْ مَا أَسْمَعَهُمْ وَأَبْصَرَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيُبْصِرُونَ فِي الْآخِرَةِ مَا لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُبْصِرُوا فِي الدُّنْيَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا أَحَدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْمَعُ مِنْهُمْ وَلَا أَبْصَرُ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِيسَى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: ١١٦] الآية. {يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [مريم: ٣٨] أَيْ: فِي خَطَأٍ بَيِّنٍ.

[قَوْلُهُ تعالى وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ] وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

[٣٩] {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: ٣٩] فُرِغَ مِنَ الْحِسَابِ وَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وذبح الموت. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>