أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيُشْرِفُونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ ينادي: يا أهل النار فيشرقون وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ» (١) ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: ٣٩] {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: ٣٩] أَيْ عَمَّا يُفْعَلُ بِهِمْ فِي الآخرة، {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: ٣٩] لا يصدقون.
[٤٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مَرْيَمَ: ٤٠] أَيْ نُمِيتُ سُكَّانَ الْأَرْضِ وَنُهْلِكُهُمْ جَمِيعًا، وَيَبْقَى الرَّبُّ وَحْدَهُ فَيَرِثُهُمْ، {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: ٤٠] فنجزيهم بأعمالهم.
[٤١] {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: ٤١] الصِّدِّيقُ الْكَثِيرُ الصِّدْقِ الْقَائِمُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَنْ صَدَّقَ اللَّهَ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصَدَّقَ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَصَدَّقَ بِالْبَعْثِ، وَقَامَ بِالْأَوَامِرِ فَعَمِلَ بِهَا، فهو الصديق. والنبي الْعَالِي فِي الرُّتْبَةِ بِإِرْسَالِ اللَّهِ تعالى إياه.
[٤٢] قوله تعالى: {إِذْ قَالَ} [مريم: ٤٢] إبراهيم، {لِأَبِيهِ} [مريم: ٤٢] آزَرَ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ} [مريم: ٤٢] صوتا، {وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: ٤٢] شيئا، {وَلَا يُغْنِي عَنْكَ} [مريم: ٤٢] أي لا يكفيك، {شَيْئًا} [مريم: ٤٢]
[٤٣] {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ} [مريم: ٤٣] بِاللَّهِ وَالْمَعْرِفَةِ، {مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي} [مريم: ٤٣] عَلَى دِينِي، {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: ٤٣] مُسْتَقِيمًا.
[٤٤] {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [مريم: ٤٤] لَا تُطِعْهُ فِيمَا يُزَيِّنُ لَكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم: ٤٤] عَاصِيًا، كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ، أَيْ هُوَ كَذَلِكَ.
[٤٥] {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ} [مريم: ٤٥] أي أعلم، {أَنْ يَمَسَّكَ} [مريم: ٤٥] يصيبك، {عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} [مريم: ٤٥] إِنْ أَقَمْتَ عَلَى الْكُفْرِ، {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: ٤٥] قرينا في النار.
[٤٦] {قَالَ} [مريم: ٤٦] أَبُوهُ مُجِيبًا لَهُ، {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} [مريم: ٤٦] لَئِنْ لَمْ تَسْكُتْ وَتَرْجِعْ عَنْ عَيْبِكَ آلِهَتَنَا وَشَتْمِكَ إِيَّاهَا، {لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: ٤٦] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: لَأَشْتُمَنَّكَ وَلَأُبْعِدَنَّكَ عَنِّي بِالْقَوْلِ الْقَبِيحِ. قَالَ ابن عباس: لأضربنك. وقال الحسن: لأقتلنك بالحجارة. {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: ٤٦] قال الكلبي: اجتنبني طَوِيلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: حِينًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: دَهْرًا. أصله المكث، ومنه يقال: تمليت حِينًا، وَالْمَلَوَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: سَالِمًا. وَقَالَ ابْنُ
(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٢٨ ومسلم في الجنة وصفة نعيمها برقم (٢٨٤٩) ٤ / ٢١٨٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute