للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} [النحل: ٤] جدل بالباطل، {مُبِينٌ} [النحل: ٤] نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَكَانَ يُنْكِرُ الْبَعْثَ جَاءَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ فَقَالَ. أَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي هَذَا بَعْدَ مَا قَدْ رَمَّ؟ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يَس: ٧٨] نَزَلَتْ فِيهِ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَفِيهَا بَيَانُ الْقُدْرَةِ وَكَشْفُ قَبِيحِ ما فعلوه، من جحود نِعَمِ اللَّهِ مَعَ ظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ.

[٥] قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} [النحل: ٥] يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: ٥] يَعْنِي: مِنْ أَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَصْوَافِهَا مَلَابِسَ وَلُحُفًا تَسْتَدْفِئُونَ بِهَا، {وَمَنَافِعُ} [النحل: ٥] بِالنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا، {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: ٥] يَعْنِي لُحُومَهَا.

[٦] {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} [النحل: ٦] زينة، {حِينَ تُرِيحُونَ} [النحل: ٦] أَيْ: حِينَ تَرُدُّونَهَا بِالْعَشِيِّ مِنْ مَرَاعِيهَا إِلَى مَبَارِكِهَا الَّتِي تَأْوِي إليها، {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: ٦] أَيْ: تُخْرِجُونَهَا بِالْغَدَاةِ مِنْ مَرَاحِهَا إِلَى مَسَارِحِهَا، وَقَدَّمَ الرَّوَاحَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ الرَّوَاحِ، وَمَالِكُهَا يَكُونُ أَعْجَبَ بِهَا إِذَا راحت.

[قوله تعالى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا] بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ. . . .

[٧] {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} [النحل: ٧] أحمالكم، {إِلَى بَلَدٍ} [النحل: ٧] آخر غير بلدكم. {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: ٧] أَيْ: بِالْمَشَقَّةِ وَالْجُهْدِ. وَالشِّقُّ: النِّصْفُ أَيْضًا أَيْ: لَمْ تَكُونُوا بَالِغَيْهِ إِلَّا بِنُقْصَانِ قُوَّةِ النَّفْسِ وَذَهَابِ نِصْفِهَا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (بِشَقِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ رَطل ورِطل. {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: ٧] بخلقه حيث جعل لكم هذه المنافع.

[٨] {وَالْخَيْلَ} [النحل: ٨] يَعْنِي: وَخَلَقَ الْخَيْلَ وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظه كالإبل والنساء والسماء. {وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] يَعْنِي وَجَعَلَهَا زِينَةً لَكُمْ مَعَ المنافع التي فيها، {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٨] من وسائل الانتقال وأسباب الزينة، وقيل: يَعْنِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَفِي النَّارِ لِأَهْلِهَا مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر عدى قلب بشر.

[٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: ٩] يَعْنِي: بَيَانُ طَرِيقِ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ. وَقِيلَ: بَيَانُ الْحَقِّ بِالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ، وَالْقَصْدُ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. {وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: ٩] يَعْنِي: وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ مُعْوَجٌّ، فَالْقَصْدُ مِنَ السَّبِيلِ دين الإسلام، والجائر منها دين الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَسَائِرُ مِلَلِ الْكُفْرِ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَصْدُ السَّبِيلِ بَيَانُ الشَّرَائِعِ وَالْفَرَائِضِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَسَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَصْدُ السَّبِيلِ السُّنَّةُ. وَمِنْهَا جَائِرٌ: الْأَهْوَاءُ وَالْبِدَعُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الْأَنْعَامِ: ١٥٣] {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩] نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السَّجْدَةِ: ١٣]

[١٠] قوله. {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ} [النحل: ١٠] تشربونه، {وَمِنْهُ شَجَرٌ} [النحل: ١٠] أي: من

<<  <  ج: ص:  >  >>