للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَمَالِيكِ وَالْعُلَمَاءِ وَمَكْرِ النِّسَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْأَعْدَاءِ، وَحُسْنِ التَّجَاوُزِ عَنْهُمْ بَعْدَ الِالْتِقَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ من الفوائد. {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [يوسف: ٣] (مَا) الْمَصْدَرُ، أَيْ: بِإِيحَائِنَا إِلَيْكَ، {هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ} [يوسف: ٣] وقد كنت، {مِنْ قَبْلِهِ} [يوسف: ٣] أي: من قبل وحينا، {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: ٣] لَمِنَ السَّاهِينَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ لا تعلمها.

[٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ} [يوسف: ٤] أي: اذكر إذا قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ، وَيُوسُفُ: اسْمٌ عبري، ولذلك لا يجري عليه الصرف، وَقِيلَ هُوَ عَرَبِيٌّ، سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَقْطَعُ عَنْ يُوسُفَ؟ فَقَالَ: الْأَسَفُ فِي اللُّغَةِ: الْحُزْنُ، وَالْأَسِيفُ: الْعَبْدُ، وَاجْتَمَعَا فِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السلام فسمي به. {يا أَبَتِ} [يوسف: ٤] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ (يَا أَبَتَ) ، بِفَتْحِ التَّاءِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى تَقْدِيرِ: يَا أبتاه، والوجه أن أصله يا أبتا بالألف، وهي بدل عن ياء الإضافة، فحذفت الألف كما تحذف التاء فبقيت الفتحة تدل على الألف كما تبقى الكسرة تدل على الياء عند حذف الياء، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (يَا أَبَتِ) بِكَسْرِ التاء في كل القرآن، والوجه أن أصله (١) يا أبتي، فحذفت الياء تخفيفا واكتفاء بالكسرة؛ لأن باب النداء حذف يدل على ذلك قوله: {يا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: ١٦] {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: ٤] أَيْ: نَجْمًا مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَنَصْبُ الْكَوَاكِبِ عَلَى التَّفْسِيرِ، {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤] ولم يقل رأيتها إلي ساجدات، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ مِنْ كِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهَا بِفِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ عَبَّرَ عَنْهَا بِكِنَايَةِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النَّمْلِ: ١٨] وَكَانَ النُّجُومُ في التأويل أخواته، كانوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا يُسْتَضَاءُ بِهِمْ كَمَا يُسْتَضَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالشَّمْسُ أَبُوهُ والقمر أمه، وَكَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، وَقِيلَ: رَآهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَلَمَّا قَصَّهَا على أبيه:

[قوله تعالى قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ] فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا. . . . .

[٥] {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: ٥] وَذَلِكَ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَحْيٌ فَعَلِمَ يَعْقُوبُ أَنَّ إخوته إِذَا سَمِعُوهَا حَسَدُوهُ فَأَمَرَهُ بِالْكِتْمَانِ، {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: ٥] فيحتالوا في إهلاكك؛ لأنهم لا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهَا فَيَحْسُدُونَكَ وَاللَّامُ فِي قوله {لَكَ} [يوسف: ٥] صِلَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٥٤] وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ نَصَحْتُكَ وَنَصَحْتُ لَكَ وَشَكَرْتُكَ وَشَكَرْتُ لَكَ. {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: ٥] أَيْ: يُزَيِّنُّ لَهُمُ الشَّيْطَانُ وَيَحْمِلُهُمْ على الكيد لعداوته القديمة.

[٦] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: ٦] يصطفيك بقوله يعقوب ليوسف عليهما السلام، أَيْ: كَمَا رَفَعَ مَنْزِلَتَكَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا، فَكَذَلِكَ يَصْطَفِيكَ رَبُّكَ، {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] يُرِيدُ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا، سُمِّيَ تَأْوِيلًا؛ لأنه يؤول أَمْرُهُ إِلَى مَا رَأَى فِي منامه، والتأويل ما يؤول إليه عَاقِبَةِ الْأَمْرِ، {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: ٦] يَعْنِي: بِالنُّبُوَّةِ، {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: ٦] أَيْ: عَلَى أَوْلَادِهِ، فَإِنَّ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: ٦] فَجَعَلَهُمَا نَبِيَّيْنَ، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: ٦] وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ الْخَلَّةُ، وَقِيلَ: إِنْجَاؤُهُ مِنَ الذَّبْحِ، وَقِيلَ: بِإِخْرَاجِ يَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ مِنْ صُلْبِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ هَذِهِ وَبَيْنَ تَحْقِيقِهَا بِمَصِيرِ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ سَنَةً، فَلَمَّا بَلَغَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا إِخْوَةَ يُوسُفَ حَسَدُوهُ وَقَالُوا: مَا رَضِيَ أَنْ تسجد لَهُ إِخْوَتُهُ حَتَّى يَسْجُدَ لَهُ أبواه فبغوه وحسدوه.

[٧] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} [يوسف: ٧] أَيْ: فِي خَبَرِهِ وَخَبَرِ إِخْوَتِهِ {آيَاتٌ} [يوسف: ٧]


(١) في ط دار طيبة: (لِأَنَّ أَصْلَهُ: يَا أَبَتْ، وَالْجَزْمُ يحرك إلى كسر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>