قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (آيَةٌ) عَلَى التَّوْحِيدِ أَيْ عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ، وَقِيلَ: عَجَبٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (آيَاتٌ) عَلَى الجمع. {لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: ٧] وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ: سَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ انْتِقَالِ وَلَدِ يَعْقُوبَ مِنْ كَنْعَانَ إِلَى مِصْرَ، فَذَكَرَ لَهُمْ قِصَّةَ يُوسُفَ جميعها، فَوَجَدُوهَا مُوَافِقَةً لِمَا فِي التَّوْرَاةِ فَتَعَجَّبُوا مِنْهَا، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: ٧] أَيْ: دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ وَلِمَنْ لَمْ يَسْأَلْ، كَقَوْلِهِ: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فُصِّلَتْ: ١٠]
[فُصِّلَتْ: ١٠] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ، فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى حَسَدِ إِخْوَةِ يُوسُفَ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ فِي الْحَسَدِ وَتَشْتَمِلُ عَلَى رُؤْيَاهُ، وَمَا حَقَّقَ اللَّهُ مِنْهَا، وَتَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَعَلَى الرِّقِّ وعلى اللبث في السِّجْنِ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ مِنَ الْمُلْكِ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى حُزْنِ يعقوب وصبره على فراق يوسف، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمُرَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
[٨] {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ} [يوسف: ٨] اللَّامُ فِيهِ جَوَابُ الْقَسَمِ تَقْدِيرُهُ: والله ليوسف، {وَأَخُوهُ} [يوسف: ٨] بِنْيَامِينُ، {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف: ٨] كَانَ يُوسُفُ وَأَخُوهُ بِنْيَامِينُ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَكَانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَدِيدَ الْحُبِّ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السلام، وكان إخوته يرون منه مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهِ مَا لَا يَرَوْنَهُ مَعَ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا هَذِهِ المقالة، {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: ٨] أي: جماعة وكانوا عشرة، وقال الْفَرَّاءُ: الْعُصْبَةُ هِيَ الْعَشَرَةُ فَمَا زَادَ، وَقِيلَ: الْعُصْبَةُ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: جَمَاعَةٌ يَتَعَصَّبُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَالنَّفَرِ وَالرَّهْطِ. {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: ٨] أي خطأ بين أمر إِيثَارِهِ يُوسُفَ وَأَخَاهُ عَلَيْنَا، وَلَيْسَ المراد من هذا الضلال، الضَّلَالِ عَنِ الدِّينِ وَلَوْ أَرَادُوهُ لَكَفَرُوا بِهِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْخَطَأُ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِ الدُّنْيَا يقولون نحن أنفع فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَإِصْلَاحِ أَمْرِ معاشه ورعي مواشيه من يوسف، فَنَحْنُ أَوْلَى بِالْمَحَبَّةِ مِنْهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي صَرْفِ مَحَبَّتِهِ إِلَيْهِ.
[٩] {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف: ٩] أي: إلى أرض تبعد عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ: فِي أَرْضٍ تأكله السباع، {يَخْلُ لَكُمْ} [يوسف: ٩] يَخْلُصْ لَكُمْ، وَيَصْفُ لَكُمْ {وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: ٩] عَنْ شَغْلِهِ بِيُوسُفَ، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ} [يوسف: ٩] مِنْ بَعْدِ قَتْلِ يُوسُفَ، {قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف: ٩] تَائِبِينَ أَيْ: تُوبُوا بَعْدَمَا فَعَلْتُمْ هَذَا يَعْفُ اللَّهُ عَنْكُمْ، وَقَالَ مقاتل: صالحين يَصْلُحْ أَمْرُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَبِيكُمْ.
[١٠] {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: ١٠] نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ وَقَالَ: الْقَتْلُ كبيرة عظيمة. {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: ١٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute