[٤٦] وذلك قوله: {النَّارُ} [غافر: ٤٦] هِيَ رَفْعٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ السُّوءِ، {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: ٤٦] صَبَاحًا وَمَسَاءً، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ تَغْدُو وَتَرُوحُ إِلَى النَّارِ وَيُقَالُ: يَا آلَ فرعون هذه مأواكم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: تُعْرَضُ رُوحُ كُلِّ كَافِرٍ عَلَى النَّارِ بُكْرَةً وعشيا ما دامت الدنيا. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ مُسْتَقَرِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا} [غافر: ٤٦] مِنَ الدُّخُولِ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا يَا {آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٦] وقيل مِنَ الْإِدْخَالِ، أَيْ يُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَلْوَانَ الْعَذَابِ غَيْرَ الَّذِي كَانُوا يُعَذَّبُونَ بِهِ مُنْذُ أُغْرِقُوا.
[٤٧] {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر: ٤٧] أَيْ اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ إِذْ يَخْتَصِمُونَ يَعْنِي أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} [غافر: ٤٧] فِي الدُّنْيَا، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غافر: ٤٧] وَالتَّبَعُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا فِي قول أهل البصرة، واحده تَابِعٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ وَجَمْعُهُ أَتْبَاعٌ.
[٤٨، ٤٩] {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ - وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ} [غافر: ٤٨ - ٤٩] حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٩]
[قوله تعالى قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ] قَالُوا بَلَى. . .
[٥٠] {قَالُوا} [غافر: ٥٠] يعني خزنة جهنم لهم، {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا} [غافر: ٥٠] أنتم إذا ربكم، أي إِنَّا لَا نَدْعُو لَكُمْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: ٥٠] أَيْ يُبْطِلُ وَيُضِلُّ وَلَا يَنْفَعُهُمْ.
[٥١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: ٥١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِالْحُجَّةِ وَفِي الْآخِرَةِ بالعذاب. وَقِيلَ: بِالِانْتِقَامِ مِنَ الْأَعْدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَهُمْ مَنْصُورُونَ بِالْحُجَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَقَدْ نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِالْقَهْرِ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِمْ، وَنَصَرَهُمْ بَعْدَ أَنْ قُتِلُوا بِالِانْتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، كَمَا نَصَرَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا لَمَّا قُتِلَ، قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ ألفا، فهو مَنْصُورُونَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُومُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ وَعَلَى الْكَفَّارِ بِالتَّكْذِيبِ.
[٥٢] {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [غافر: ٥٢] إِنِ اعْتَذَرُوا عَنْ كُفْرِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَابُوا لَمْ ينفعهم، {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢] الْبُعْدُ مِنَ الرَّحْمَةِ، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: ٥٢] يَعْنِي جَهَنَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute