للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللاحقين، {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٥٩] قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ: (يُشْرِكُونَ) بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ وَفِيهِ إِلْزَامُ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ هَلَاكِ الْكُفَّارِ، يَقُولُ: آللَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ عَبَدَهُ أم الأصنام خير لِمَنْ عَبَدَهَا وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ نَجَّى مَنْ عَبَدَهَ مِنَ الْهَلَاكِ، وَالْأَصْنَامُ لَمْ تُغْنِ شَيْئًا عَنْ عابديها عند نزول العذاب بهم.

[٦٠] {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [النمل: ٦٠] مَعْنَاهُ آلِهَتُكُمْ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [النمل: ٦٠] يَعْنِي الْمَطَرَ، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} [النمل: ٦٠] بَسَاتِينَ جَمْعُ حَدِيقَةٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ الْمُحَاطُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَلَيْسَ بحديقة، {ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: ٦٠] أَيْ مَنْظَرٍ حَسَنٍ وَالْبَهْجَةُ: الْحُسْنُ يَبْتَهِجُ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: ٦٠] أَيْ مَا يَنْبَغِي لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا. {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: ٦٠] اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ أَيْ هل معه معبود سواه يعينه عَلَى صُنْعِهِ بَلْ لَيْسَ مَعَهُ إله. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ} [النمل: ٦٠] يعني كفار مكة، {يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠] يُشْرِكُونَ.

[٦١] {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا} [النمل: ٦١] لَا تَمِيدُ بِأَهْلِهَا، {وَجَعَلَ خِلَالَهَا} [النمل: ٦١] وسطها {أَنْهَارًا} [النمل: ٦١] تَطْرُدُ بِالْمِيَاهِ، {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} [النمل: ٦١] جِبَالًا ثَوَابِتَ، {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} [النمل: ٦١] العذب والمالح، {حَاجِزًا} [النمل: ٦١] مَانِعًا لِئَلَّا يَخْتَلِطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: ٦١] توحيد ربهم وسلطانه.

[٦٢] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} [النمل: ٦٢] الْمَكْرُوبَ الْمَجْهُودَ، {إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: ٦٢] الضر، {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: ٦٢] سُكَّانَهَا يُهْلِكُ قَرْنًا وَيُنْشِئُ آخَرَ. وَقِيلَ: يَجْعَلُ أَوْلَادَكُمْ خُلَفَاءَكُمْ. وَقِيلَ: جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ الْجِنِّ فِي الْأَرْضِ. {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: ٦٢] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.

[٦٣] {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [النمل: ٦٣] إِذَا سَافَرْتُمْ، {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [النمل: ٦٣] أَيْ قُدَّامَ الْمَطَرِ، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: ٦٣]

[قوله تعالى أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ] مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ. . .

[٦٤] {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [النمل: ٦٤] بَعْدَ الْمَوْتِ، {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [النمل: ٦٤] أَيْ مِنَ السَّمَاءِ الْمَطَرَ وَمِنَ الْأَرْضِ النَّبَاتَ، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [النمل: ٦٤] حُجَّتَكُمْ عَلَى قَوْلِكُمْ أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: ٦٤]

[٦٥] {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: ٦٥] نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ سَأَلُوا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ} [النمل: ٦٥] متى، {يُبْعَثُونَ} [النمل: ٦٥]

[٦٦] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} [النمل: ٦٦] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (أَدْرَكَ) عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ أَيْ بَلَغَ وَلَحِقَ، كَمَا يُقَالُ: أَدْرَكَهُ عِلْمِي إِذَا لَحِقَهُ وَبَلَغَهُ، يُرِيدُ مَا جَهِلُوا فِي الدنيا وسقط علمه عنهم أعلموه في الآخرة. وقال مُجَاهِدٌ: يُدْرِكُ عِلْمَهُمْ، {فِي الْآخِرَةِ} [النمل: ٦٦] وَيَعْلَمُونَهَا إِذَا عَايَنُوهَا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: بَلْ عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ حِينَ عَايَنُوهَا مَا شَكُّوا وَعَمُوا عَنْهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا} [النمل: ٦٦] يَعْنِي هُمُ الْيَوْمَ فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بَلْ ادارك موصولا مشددا مع الألف بعد الدال المشدد، يعني تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَتَلَاحَقَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتَمَعَ عِلْمُهُمْ حين عاينوها فِي الْآخِرَةِ أَنَّهَا كَائِنَةٌ، وَهُمْ في شك منها فِي وَقْتِهِمْ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، مَعْنَاهُ: هَلْ تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ بذلك في الآخرة؟ يعني: لَمْ يَتَتَابَعْ وَضَلَّ وَغَابَ عِلْمُهُمْ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ، لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ الْجَحْدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ (بَلَى) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، (أَدَّارَكَ) بفتح الألف على الاستفهام، يعني: لم يدرك،

<<  <  ج: ص:  >  >>