للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنَالُ بِهِ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ، وَالسَّيِّئَةُ هِيَ: الْغَيْبَةُ وَإِسَاءَةُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ يَنَالُ بِهِ الشَّرَّ، وَقَوْلُهُ (كِفْلٌ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ وِزْرِهَا، وقال مجاهد: على شَفَاعَةُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَيُؤْجَرُ الشَّفِيعُ عَلَى شَفَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يشفع قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: ٨٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: مقتدرا أو مجازيا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَاهِدًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَافِظًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُقِيتًا أَيْ: يُوصِلُ الْقُوتَ إِلَيْهِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقوت ويقيت» (١) .

[٨٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] التحية: دعاء بطول الحياة، والمراد بالتحية هنا السَّلَامُ، يَقُولُ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مُسلم فَأَجِيبُوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوها كَمَا سَلَّمَ، فَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقُلْ: وَعَلَيْكُمُ السلام ورحمة الله وبركاته، وَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وبركاته، فردَّ مثله، وَقِيلَ: (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) ، مَعْنَاهُ أَيْ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مُسْلِمًا، (أَوْ رُدُّوهَا) بِمِثْلِهَا إِذَا لم يكن مسلما، قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: ٨٦] أَيْ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ، حَسِيبًا أَيْ: مُحَاسِبًا مُجَازِيًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَفِيظًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَافِيًا، يُقَالُ: حَسْبِي هَذَا أي كفاني.

[قَوْلُهُ تَعَالَى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى] يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا. . . .

[٨٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} [النساء: ٨٧] اللَّامُ، لَامُ الْقَسَمِ تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لِيَجْمَعُنَّكُمْ فِي الْمَوْتِ وَفِي الْقُبُورِ، {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: ٨٧] وَسُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ قِيَامَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [الْمَعَارِجِ: ٤٣] وَقِيلَ: لِقِيَامِهِمْ إِلَى الْحِسَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْمُطَفِّفِينَ: ٦] {لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: ٨٧] أَيْ: قَوْلًا وَوَعْدًا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ والكسائي (أصدق) ، وكل صَادٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا دَالٌ بِإِشْمَامِ الزَّايِ.

[٨٨] {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: ٨٨] اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا يَوْمَ أُحُد مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتُلْهُمْ فَإِنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اعْفُ عَنْهُمْ فإنهم تكلموا بالإسلام، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا ثم ندموا على ذلك، ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا فِي تِجَارَةٍ لَهُمْ نَحْوَ الشَّامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَنَقْتُلُهُمْ وَنَأْخُذُ مَا مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَيْفَ تَقْتُلُونَ قَوْمًا عَلَى دِينِكُمْ إن لم يذروا


(١) رواه أبو داود في سننه في كتاب الزكاة / ٤٥، والإمام أحمد في مسنده ج٢ / ١٦٠ ط ١٩٣، ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>