، أَيْ: مُبْدِعُهَا وَمُنْشِئُهَا مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا} [البقرة: ١١٧] أي: قدره، وقيل: أحكمه وَأَتْقَنَهُ، وَأَصْلُ الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ مَاتَ: قُضِيَ عَلَيْهِ لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ تقديرا أو تدبيرا {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَالْمَعْدُومُ لا يخاطب؟ قيل: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ، أَيْ لِأَجْلِ تَكْوِينِهِ، فَعَلَى هَذَا ذَهَبَ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَقِيلَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا وَلَكِنَّهُ لِمَا قُدِّرَ وُجُودُهُ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَانَ كَالْمَوْجُودِ فصح الخطاب.
[١١٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١١٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْيَهُودُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: النَّصَارَى، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُشْرِكُو الْعَرَبِ، {لَوْلَا} [البقرة: ١١٨] هلا {يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} [البقرة: ١١٨] عيانا بأنك رسوله {أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} [البقرة: ١١٨] دلالة علامة على صدقك، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [البقرة: ١١٨] أَيْ: كُفَّارُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، {مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: ١١٨] أي: أشبه بعضهم بَعْضًا فِي الْكُفْرِ وَالْقَسْوَةِ وَطَلَبِ الْمُحَالِ، {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: ١١٨]
[١١٩] {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} [البقرة: ١١٩] أي: بالصدق، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: بالقرآن وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ لَمْ نُرْسِلْكَ عبثا إنما أرسلناك بالحق.
قوله عز وجل: {بَشِيرًا} [البقرة: ١١٩] أَيْ: مُبَشِّرًا لِأَوْلِيَائِي وَأَهْلِ طَاعَتِي بالثواب الكريم، {وَنَذِيرًا} [البقرة: ١١٩] أَيْ: مُنْذِرًا مُخَوِّفًا لِأَعْدَائِي وَأَهْلِ مَعْصِيَتِي بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
قَرَأَ نَافِعٌ ويعقوب: {وَلَا تُسْأَلُ} [البقرة: ١١٩] على النهي وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ لا تَسْأَلْ عَنْ شَرِّ فُلَانٍ فَإِنَّهُ فَوْقَ مَا تَحْسَبُ، وَلَيْسَ عَلَى النَّهْيِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ {وَلَا تُسْأَلُ} [البقرة: ١١٩] بِالرَّفْعِ، عَلَى النَّفْيِ بِمَعْنَى: وَلَسْتَ بمسئول عنهم {عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: ١١٩] والجحيم معظم النار.
[١٢٠] ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: ١٢٠] وذلك أنهم يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الهدنة ويطمعونه أَنَّهُ إِنْ أَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، مَعْنَاهُ أنك وإن هادنتهم فلا يرجون بِهَا، وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَعَلُّلًا وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ ملتهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ} [البقرة: ١٢٠] إلا باليهودية، {وَلَا النَّصَارَى} [البقرة: ١٢٠] إِلَّا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَالْمِلَّةُ الطَّرِيقَةُ، {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: ١٢٠] قِيلَ: الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ كَقَوْلِهِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَرِ: ٦٥] {بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: ١٢٠] الْبَيَانِ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالْقِبْلَةَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: ١٢٠]
[١٢١] {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ١٢١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ السَّفِينَةِ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ رُهْبَانِ الشَّامِ مِنْهُمْ بَحِيرَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ممن آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ عَبْدُ اللَّهِ بن سلام وشعبة بْنُ عَمْرٍو وَتَمَّامُ بْنُ يَهُودَا وَأَسَدٌ وَأُسَيْدٌ ابْنَا كَعْبٍ وَابْنُ يا مين وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةً، {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: ١٢١] قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَصِفُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ حَقَّ صِفَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْكِتَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ مسعود رضي الله عنه: يقرؤونه كَمَا أُنْزِلَ وَلَا يُحَرِّفُونَهُ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ وَيَكِلُونَ عِلْمَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالَمِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتباعه {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: ١٢١]
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ] عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute