للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أمامهم {مَلِكٌ} [الكهف: ٧٩] {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] أَيْ: كل سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ كَذَلِكَ فَخَرَقَهَا وَعَيَّبَهَا الْخَضِرُ حَتَّى لَا يأخذها الملك الغاصب.

[٨٠] قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا} [الكهف: ٨٠] أَيْ فَعَلِمْنَا، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنِينَ فَخَشِينَا، أَيْ فعلمنا، {أَنْ يُرْهِقَهُمَا} [الكهف: ٨٠] يُغْشِيَهُمَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُكَلِّفَهُمَا، {طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: ٨٠] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَخَشِينَا أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينِهِ.

[٨١] {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا} [الكهف: ٨١] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عمر بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ والقلم، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُمَا لُغَتَانِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: التَّبْدِيلُ تَغْيِيرُ الشَّيْءِ أَوْ تَغْيِيرُ حَالِهِ وَعَيْنُ الشيء قاصم والإبدال رَفْعُ الشَّيْءِ وَوَضْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ، {رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: ٨١] أَيْ صَلَاحًا وَتَقْوَى، {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: ٨١] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبَاقُونَ بِجَزْمِهَا أَيْ: عَطْفًا مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ وَأَبَرُّ بوالديه، قال مطرف: شرح بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ. وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ فِيهِ هَلَاكُهُمَا، فَلْيَرْضَ امْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا يَكْرَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِيمَا يُحِبُّ.

[٨٢] قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ} [الكهف: ٨٢] وَكَانَ اسْمُهُمَا أَصْرَمُ وَصَرِيمٌ، {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: ٨٢] اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْكَنْزِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً» (١) . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ مَالًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: كَانَ الْكَنْزُ صُحُفًا فيها علم {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: ٨٢] قيل: كان اسمه كاشح وَكَانَ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ. قَالَ ابْنُ عباس: حفظا بصلاح أبيهما، وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَبِ الصَّالِحِ سَبْعَةُ آبَاءٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ بِصَلَاحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ، وَعِتْرَتَهُ وَعَشِيرَتَهُ وَأَهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ فِيهِمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنِّي لَأُصَلِّي فَأَذْكُرُ وَلَدِي فَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: ٨٢] أَيْ يَبْلُغَا وَيَعْقِلَا. وَقِيلَ: أَنْ يدركا شدتهما وقوتهما. وقيل: ثمان عشرة سنة، {وَيَسْتَخْرِجَا} [الكهف: ٨٢] حينئذ {كَنْزَهُمَا رَحْمَةً} [الكهف: ٨٢] نِعْمَةً، {مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: ٨٢] أَيْ بِاخْتِيَارِي وَرَأْيِي، بَلْ فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ، {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨٢] أَيْ لَمْ تُطِقْ عَلَيْهِ صَبْرًا، واستطاع واسطاع بمعنى واحد.

[٨٣] قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: ٨٣] خبرا، واختلفوا في نبوته وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَلِكًا عادلا صالحا.

[قوله تعالى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ] كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا. . . .

[٨٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: ٨٤] أوطأنا، والتمكين: تمهيد الأسباب. وقال عَلِيٌّ: سَخَّرَ لَهُ السَّحَابَ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَمَدَّ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ وَبَسَطَ لَهُ النُّورَ فَكَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءً، فَهَذَا مَعْنَى تمكنه فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَهَّلَ عَلَيْهِ السَّيْرَ فِيهَا وَذَلَّلَ لَهُ طُرُقَهَا. {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [الكهف: ٨٤] أي: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ. وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُلُوكُ عَلَى فَتْحِ المدن ومحاربة الأعداء، {سَبَبًا} [الكهف: ٨٤] أَيْ: عِلْمًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إِلَى كُلِّ مَا يُرِيدُ، وَيَسِيرُ بِهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَالسَّبَبُ: مَا يوصل به إِلَى الشَّيْءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَاغًا إِلَى حَيْثُ أَرَادَ. وَقِيلَ: قَرَّبْنَا إليه أقطار الأرض.


(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الكهف ٨ / ٦٠٠ والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٦٩ والبخاري في تاريخه والطبراني. انظر تحفة الأحوذي ٨ / ٦٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>