[٦] {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} [الشورى: ٦] يَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ وَيُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الشورى: ٦] لم يوكلك الله عليهم حتى تؤخذ بهم.
[٧] {وَكَذَلِكَ} [الشورى: ٧] مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا، {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [الشورى: ٧] مَكَّةَ يَعْنِي أَهْلَهَا، {وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: ٧] يَعْنِي قُرَى الْأَرْضِ كُلَّهَا، {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} [الشورى: ٧] أَيْ تُنْذِرُهُمْ بِيَوْمِ الْجَمْعِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ والآخرين وأهل السماوات والأرضين، {لَا رَيْبَ فِيهِ} [الشورى: ٧] لَا شَكَّ فِي الْجَمْعِ أَنَّهُ كَائِنٌ ثُمَّ بَعْدَ الْجَمْعِ يَتَفَرَّقُونَ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ} [الشورى: ٧] فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ، {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: ٧] عَدْلٌ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ.
[٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الشورى: ٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الْأَنْعَامِ: ٣٥] {وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: ٨] في دين الإسلام، {وَالظَّالِمُونَ} [الشورى: ٨] الْكَافِرُونَ، {مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ} [الشورى: ٨] يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، {وَلَا نَصِيرٍ} [الشورى: ٨] يَمْنَعُهُمْ مِنَ النَّارِ.
[٩] {أَمِ اتَّخَذُوا} [الشورى: ٩] بَلِ اتَّخَذُوا أَيْ الْكَافِرُونَ، {مِنْ دُونِهِ} [الشورى: ٩] أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، {أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: ٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: وَلِيُّكَ يَا مُحَمَّدُ وَوَلِيُّ مَنِ اتَّبَعَكَ، {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الشورى: ٩]
[١٠] {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} [الشورى: ١٠] مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠] يَقْضِي فِيهِ وَيَحْكُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَصْلِ الَّذِي يُزِيلُ الرَّيْبَ، {ذَلِكُمُ اللَّهُ} [الشورى: ١٠] الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ {رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: ١٠]
[قوله تعالى فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ] أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ. . .
[١١] {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الشورى: ١١] مِنْ مِثْلِ خَلْقِكُمْ حَلَائِلَ، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ، {وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} [الشورى: ١١] أصنافا ذكورا وإناثا {يَذْرَؤُكُمْ} [الشورى: ١١] يخلقكم، {فِيهِ} [الشورى: ١١] أَيْ فِي الرَّحِمِ. وَقِيلَ: فِي الْبَطْنِ. وَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْخِلْقَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: نَسَلًا بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ. وَقِيلَ: فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ يَذْرَؤُكُمْ بِهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُكَثِّرُكُمْ بالتزويج. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] مِثْلُ صِلَةٌ أَيْ لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ فَأَدْخَلَ الْمِثْلَ لِلتَّوْكِيدِ، كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [الْبَقَرَةِ: ١٣٧] وَقِيلَ: الْكَافُ صِلَةٌ، مَجَازُهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ. {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]
[١٢] {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى: ١٢] مفاتيح الرزق في السماوات وَالْأَرْضِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَطَرُ وَالنَّبَاتُ. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى: ١٢] لِأَنَّ مَفَاتِيحَ الرِّزْقِ بِيَدِهِ، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى: ١٢]
[١٣] {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} [الشورى: ١٣] بَيَّنَ وَسَنَّ لَكُمْ، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: ١٣] وَهُوَ أَوَّلُ أَنْبِيَاءِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْصَيْنَاكَ وَإِيَّاهُ يَا مُحَمَّدُ دِينًا وَاحِدًا. {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: ١٣] مِنْ الْقُرْآنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: ١٣] وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَتَادَةُ: تَحْلِيلُ الْحَلَالِ وَتَحْرِيمُ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْحَكَمُ: تَحْرِيمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَبْعَثِ الله نبيا إلا أوصاه بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْإِقْرَارِ لله بالطاعة، فَذَلِكَ دِينُهُ الَّذِي شَرَعَ لَهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ التَّوْحِيدُ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا ذَكَرَ مِنْ بَعْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣] بَعَثَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ الْفُرْقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: ١٣] مِنَ التَّوْحِيدِ وَرَفْضِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ قَالَ: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} [الشورى: ١٣] يصطفي لدينه مِنْ عِبَادِهِ مَنْ يَشَاءُ، {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: ١٣] يُقبِل إِلَى طَاعَتِهِ.