للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاحُ فِي الْأَمْرِ وَبِالْفَتْحِ الِاسْتِقَامَةُ في الدين. معنى الآية: وإن يَرَوْا طَرِيقَ الْهُدَى وَالسَّدَادِ، {لَا يَتَّخِذُوهُ} [الأعراف: ١٤٦] لأنفسهم {سَبِيلًا} [الأعراف: ١٤٦] {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ} [الأعراف: ١٤٦] أَيْ: طَرِيقَ الضَّلَالِ {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٤٦] عن التفكر فِيهَا وَالِاتِّعَاظِ بِهَا غَافِلِينَ سَاهِينَ.

[١٤٧] {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ} [الأعراف: ١٤٧] أَيْ: وَلِقَاءِ الدَّارِ الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ مَوْعِدُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [الأعراف: ١٤٧] بَطَلَتْ، وَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، {هَلْ يُجْزَوْنَ} [الأعراف: ١٤٧] فِي الْعُقْبَى، {إِلَّا مَا كَانُوا} [الأعراف: ١٤٧] أَيْ: إِلَّا جَزَاءَ مَا كَانُوا {يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٤٧] فِي الدُّنْيَا.

[١٤٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ} [الأعراف: ١٤٨] أي: من بَعْدَ انْطِلَاقِهِ إِلَى الْجَبَلِ {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [الأعراف: ١٤٨] الَّتِي اسْتَعَارُوهَا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (مِنْ حِلِيِّهِمْ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَاتَّخَذَ السَّامِرِيُّ {عِجْلًا} [الأعراف: ١٤٨] وَأَلْقَى فِي فَمِهِ مِنْ تُرَابِ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فتحول عجلا، {جَسَدًا} [الأعراف: ١٤٨] حيا لحما ودما {لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف: ١٤٨] وَهُوَ صَوْتُ الْبَقَرِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: كَانَ جَسَدًا مُجَسَّدًا مِنْ ذَهَبٍ لَا رُوحَ فِيهِ، كَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ صَوْتٌ. وَقِيلَ: كَانَ يُسْمَعُ صَوْتُ حَفِيفِ الرِّيحِ يَدْخُلُ فِي جَوْفِهِ وَيَخْرُجُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَا خَارَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: كَانَ يَخُورُ كَثِيرًا كُلَّمَا خَارَ سجدوا، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ الْخُوَارُ وَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي، {أَلَمْ يَرَوْا} [الأعراف: ١٤٨] يَعْنِي: الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ {أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: ١٤٨] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ١٤٨] أَيْ: اتَّخَذُوهُ إِلَهًا وَكَانُوا كَافِرِينَ.

[١٤٩] {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٤٩] أَيْ: نَدِمُوا عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ نَادِمٍ عَلَى أَمْرٍ: قَدْ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ، {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} [الأعراف: ١٤٩] يَتُبْ عَلَيْنَا رَبُّنَا، {وَيَغْفِرْ لَنَا} [الأعراف: ١٤٩] يَتَجَاوَزْ عَنَّا، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ١٤٩] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (تَرْحَمْنَا وَتَغْفِرْ لَنَا) بِالتَّاءِ فِيهِمَا، (رَبَّنَا) بِنَصْبِ الْبَاءِ. وَكَانَ هَذَا النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهُمْ بَعْدَ رُجُوعِ مُوسَى إِلَيْهِمْ.

[قوله تعالى وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا] قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي. . . .

[١٥٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف: ١٥٠] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الْأَسِفُ: شَدِيدُ الْغَضَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: أَسِفَا أَيْ: حَزِينًا. وَالْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ. {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} [الأعراف: ١٥٠] أَيْ: بِئْسَ مَا عَمِلْتُمْ بَعْدَ ذَهَابِي، يُقَالُ: خَلَفَهُ بِخَيْرٍ أَوْ بَشَرٍّ إِذَا أَوْلَاهُ فِي أَهْلِهِ بعد شخوصه عنه خيرا أو شرا، {أَعَجِلْتُمْ} [الأعراف: ١٥٠] أسبقتم {أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٥٠] قَالَ الْحَسَنُ: وَعْدُ رَبِّكُمُ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنَ الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَعَجِلْتُمْ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ أَمْرُ رَبِّكُمْ. {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: ١٥٠] الَّتِي فِيهَا التَّوْرَاةُ، وَكَانَ حَامِلًا لها, وألقاها عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ. قَالَتِ الرُّوَاةُ: كَانَتِ التَّوْرَاةُ سَبْعَةَ أَسْبَاعٍ، فَلَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ، فَرُفِعَتْ سِتَّةُ أَسْبَاعِهَا وَبَقِيَ سُبْعٌ، فَرُفِعَ مَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ، وَبَقِيَ مَا فِيهِ الْمَوْعِظَةُ وَالْأَحْكَامُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} [الأعراف: ١٥٠] بذوائبه ولحيته {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: ١٥٠] وَكَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَحَبَّ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ لين الغضب. {قَالَ} [الأعراف: ١٥٠] هَارُونُ عِنْدَ ذَلِكَ، {ابْنَ أُمَّ} [الأعراف: ١٥٠] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ هَاهُنَا وَفِي طَهَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، يُرِيدُ يا ابن أمي، فحذف ياء الْإِضَافَةِ، وَأُبْقِيَتِ الْكَسْرَةُ لِتَدُلَّ عَلَى الإضافة كقوله: {يا عِبَادِ} [الزمر: ١٦] وَقَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى يَا ابْنَ أُمَّاهُ. وَقِيلَ: جَعَلَهُ اسْمًا وَاحِدًا، وَبَنَاهُ عَلَى الْفَتْحِ، كَقَوْلِهِمْ: حضر موت وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَنَحْوُهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: ابْنَ أُمَّ، وَكَانَ هَارُونُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لِيُرَقِّقَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>