للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ: اعْتَزِلْنِي سَالِمًا لَا تُصِيبُكَ مِنِّي مَعَرَّةٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ مَلِيٌّ بِأَمْرِ كَذَا إِذَا كَانَ كَافِيًا.

[٤٧] {قَالَ} [مريم: ٤٧] إبراهيم، {سَلَامٌ عَلَيْكَ} [مريم: ٤٧] أَيْ سَلِمْتَ مِنِّي لَا أُصِيبُكَ بِمَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِ عَلَى كُفْرِهِ. وَقِيلَ: هَذَا سَلَامُ هِجْرَانٍ وَمُفَارَقَةٍ. وَقِيلَ: سَلَامُ بر ولطف، هو جَوَابُ الْحَلِيمِ لِلسَّفِيهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: ٤٧] قِيلَ. إِنَّهُ لَّمَّا أَعْيَاهُ أَمَرَهُ وَوَعَدَهُ أَنْ يُرَاجِعَ اللَّهَ فِيهِ، فَيَسْأَلَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ التَّوْحِيدَ وَيَغْفِرَ لَهُ، مَعْنَاهُ سَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لَكَ تَوْبَةً تَنَالُ بِهَا الْمَغْفِرَةَ. {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: ٤٧] بَرًّا لَطِيفًا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَالِمًا يَسْتَجِيبُ لِي إِذَا دَعَوْتُهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: عَوَّدَنِي الْإِجَابَةَ لِدُعَائِي.

[٤٨] {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: ٤٨] أَيْ: أَعْتَزِلُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ اعْتِزَالُهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ فَارَقَهُمْ مِنْ كُوثَى، فَهَاجَرَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ المقدسة، {وَأَدْعُو رَبِّي} [مريم: ٤٨] أَيْ أَعْبُدُ رَبِّي، {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: ٤٨] أي عسى ألا أشقى بدعائه وعبادته، كما أنتم تشقون بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. وَقِيلَ: عَسَى أَنْ يُجِيبَنِي إِذَا دَعَوْتُهُ وَلَا يُخَيِّبَنِي.

[٤٩] {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: ٤٩] فذهب مهاجرا.

[٥٠] {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا} [مريم: ٥٠] أي: نعمتنا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَالُ وَالْوَلَدُ، وَهُوَ قول الأكثرين، قالوا معناه: مَا بُسِطَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ. وَقِيلَ: الْكِتَابُ وَالنُّبُوَّةُ، {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: ٥٠] يَعْنِي ثَنَاءً حَسَنًا رَفِيعًا فِي كُلِّ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، فَكُلُّهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُمْ ويثنون عليهم.

[قوله تعالى وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا] وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا. . . .

[٥١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} [مريم: ٥١] غَيْرَ مُرَاءٍ أَخْلَصَ الْعِبَادَةَ وَالطَّاعَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَرَأَ أَهْلُ الكوفة ميم مُخْلَصًا بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مُخْتَارًا اخْتَارَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَخْلَصَهُ اللَّهُ مِنَ الدَّنَسِ {وَكَانَ رسولا نبيا} [مريم: ٥١]

[٥٢] {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} [مريم: ٥٢] يَعْنِي يَمِينَ مُوسَى، وَالطَّورُ: جَبَلٌ بَيْنَ مِصْرَ وَمَدْيَنَ. وَيُقَالُ اسْمُهُ الزُّبَيْرُ، وَذَلِكَ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ مدين ورأى النار {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القَصَصِ: ٣٠] {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: ٥٢] أَيْ: مُنَاجِيًا، فَالنَّجِيُّ الْمُنَاجِي، كَمَا يُقَالُ: جَلِيسٌ وَنَدِيمٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ قَرَّبَهُ فَكَلَّمَهُ، وَمَعْنَى التَّقْرِيبِ إِسْمَاعُهُ كَلَامَهُ. وَقِيلَ: رَفَعَهُ عَلَى الْحَجْبِ حَتَّى سَمِعَ صَرِيرَ الْقَلَمِ.

[٥٣] {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: ٥٣] وَذَلِكَ حِينَ دَعَا مُوسَى فَقَالَ: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي} [طَهَ: ٢٩ - ٣٠] فَأَجَابَ اللَّهُ دعاءه وأرسل إلى هَارُونَ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ هِبَةً لَهُ.

[٥٤] {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: ٥٤] وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>