للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَعِدْ شَيْئًا إلا وفى به {وَكَانَ رَسُولًا} [مريم: ٥٤] إلى جرهم، {نَبِيًّا} [مريم: ٥٤] مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

[٥٥] {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} [مريم: ٥٥] أَيْ: قَوْمَهُ. وَقِيلَ: أَهْلَهُ وَجَمِيعَ أمته، {بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: ٥٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي افْتُرِضَتْ عَلَيْنَا، {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: ٥٥] قائما لله بطاعته. وقيل: رَضِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنُبُّوتِهِ ورسالته.

[٥٦] قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} [مريم: ٥٦] هو جَدُّ أَبِي نُوحٍ، وَاسْمُهُ: أَخْنُوخُ، سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ الْكُتُبَ. وَكَانَ خَيَّاطًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثياب، ولبس الثياب المخيطة، وَكَانُوا مِنْ قَبْلِهِ يَلْبَسُونَ الْجُلُودَ، وَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ السِّلَاحَ, وَقَاتَلَ الْكُفَّارَ، وَأَوَّلُ مَنْ نَظَرَ فِي عِلْمِ النُّجُومِ وَالْحِسَابِ، {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: ٥٦]

[٥٧] {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: ٥٧] قيل: هي الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: هِيَ الرِّفْعَةُ بِعُلُوِّ الرتبة في الدنيا. وقيل: أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ.

[٥٨] {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ} [مريم: ٥٨] أَيْ إِدْرِيسَ وَنُوحًا، {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: ٥٨] أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، يُرِيدُ إبراهيم لأنه ولد سَامِ بْنِ نُوحٍ، {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [مريم: ٥٨] يُرِيدُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، قَوْلُهُ: {وَإِسْرَائِيلَ} [مريم: ٥٨] أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ موسى وهارون وزكريا ويحيى، {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا} [مريم: ٥٨] هَؤُلَاءِ كَانُوا مِمَّنْ أَرْشَدْنَا وَاصْطَفَيْنَا، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: ٥٨] سُجَّدًا جَمْعُ سَاجِدٍ وَبُكِيًّا جَمْعُ بَاكٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا بِآيَاتِ اللَّهِ سجدوا وبكوا.

[٥٩] قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم: ٥٩] أَيْ: مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّينَ الْمَذْكُورِينَ خَلْفٌ وَهُمْ قَوْمُ سُوءٍ وَالْخَلَفُ بِالْفَتْحِ الصَّالِحُ وَبِالْجَزْمِ الطَّالِحُ قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هم قوم فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: ٥٩] تَرَكُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ: أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَصْرُ وَلَا الْعَصْرَ حَتَّى تغرب الشمس، {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم: ٥٩] أي المعاصي وشرب الخمر، أي آثَرُوا شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يظهرون في آخر الزمان ينزوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَسْوَاقِ والأزقة. {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] قال ابن وَهْبٌ: الْغَيُّ نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ بَعِيدٌ قَعْرُهُ خَبِيثٌ طَعْمُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَيُّ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَإِنَّ أَوْدِيَةَ جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ مِنْ حَرِّهِ أُعِدَّ لِلزَّانِي الْمُصِرِّ عَلَيْهِ، وَلِشَارِبِ الْخَمْرِ الْمُدْمِنِ عَلَيْهَا، وَلِآكِلِ الرِّبَا الَّذِي لَا يَنْزِعُ عَنْهُ، وَلِأَهْلِ الْعُقُوقِ وَلِشَاهِدِ الزُّورِ، ولا مرأة أدخلت على زوجها ولدا، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْغَيُّ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ قَيْحًا وَدَمًا. وَقَالَ كَعْبٌ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ أبعدها قعرا، وأشدها حرا فيه بِئْرٍ تُسَمَّى الْهِيمُ، كُلَّمَا خَبَتْ جَهَنَّمُ فَتَحَ اللَّهُ تِلْكَ الْبِئْرَ فيسعر بها جهنم وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غَيًّا وَخُسْرَانًا. وَقِيلَ: هَلَاكًا. وَقِيلَ: عَذَابًا. وَقَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] ليس مراده يَرَوْنَ فَقَطْ بَلْ مَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ والملابسة مع الروية.

[٦٠] {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: ٦٠]

[٦١] {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} [مريم: ٦١] وَلَمْ يَرَوْهَا، {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: ٦١] يَعْنِي آتِيًا مَفْعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَقِيلَ: لَمْ يَقُلْ آتِيًا لِأَنَّ كل من أتاك فقد أتته، وَالْعَرَبُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ أَتَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ سَنَةً وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَتَيْتُ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً، وَيَقُولُ: وَصَلَ إِلَيَّ الْخَيْرُ ووصلت إلى الخير، قال ابن جرير: وعده أي موعوده، وَهُوَ الْجَنَّةُ مَأْتِيًّا يَأْتِيهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْلُ طَاعَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>