للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعشاء. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} [آل عمران: ٤٩] الَّذِي ذَكَرْتُ، {لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ٤٩]

[٥٠] {وَمُصَدِّقًا} [آل عمران: ٥٠] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ {وَرَسُولًا - لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٤٩ - ٥٠] مِنَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْكُلَّ، يَعْنِي: كُلَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ ذكر البعض ويراد به الكل، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ٥٠] يَعْنِي: مَا ذَكَرَ مِنَ الْآيَاتِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: ٥٠]

[٥١] {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: ٥١]

[٥٢] {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [آل عمران: ٥٢] أَيْ: وَجَدَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَرَفَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: رأى، {مِنْهُمُ الْكُفْرَ} [آل عمران: ٥٢] وأرادوا قتله استنصر عليهم، {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أَيْ: مَعَ الذود، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النِّسَاءِ: ٢] أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ (إِلَى) بِمَعْنَى فِي، أَيْ: مَنْ أَعْوَانِي فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَسَبِيلِهِ، وقيل: (إِلَى) في موضعها مَعْنَاهُ: مَنْ يَضُمُّ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ لِي، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَوَارِيِّينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا صَيَّادِينَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، سُمُّوا حَوَارِيِّينَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: كَانُوا مَلَّاحِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا قَصَّارِينَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ، أي: يبيضونها، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سُمُّوا حَوَارِيِّينَ لِصَفَاءِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: سُمُّوا بِهِ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ وَنُورِهَا، وَأَصْلُ الْحَوَرِ عِنْدَ الْعَرَبِ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ، يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْوَرُ وَامْرَأَةٌ حَوْرَاءُ أَيْ: شَدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: الْحَوَارِيُّونَ هُمُ الْأَصْفِيَاءُ، وَهُمْ كَانُوا أَصْفِيَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ رَوْحُ بن أبي الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ قَتَادَةَ عَنِ الْحَوَارِيِّينَ، قال: هم الذين تصلح لهم الخلافة، وعنه أيضا أَنَّهُ قَالَ: الْحَوَارِيُّونَ هُمُ الْوُزَرَاءُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْحَوَارِيُّونَ الْأَنْصَارُ، وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ، وَالْحَوَارِيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ خَاصَّةً: الرَّجُلُ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِ فيما ينويه {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أَعْوَانُ دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ} [آل عمران: ٥٢] يا عيسى، {بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٥٢]

[٥٣] {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ} [آل عمران: ٥٣] من كتابك، {وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: ٥٣] عيسى، {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: ٥٣] الَّذِينَ شَهِدُوا لِأَنْبِيَائِكَ بِالصِّدْقِ، وَقَالَ عَطَاءٌ مَعَ النَّبِيِّينَ لِأَنَّ كُلَّ نبي شاهد أمته، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ، لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ للرسل بالبلاغ.

[٥٤] قوله تعالى: {وَمَكَرُوا} [آل عمران: ٥٤] يعني: كفار بني إسرائيل الذي أحس عيسى منهم الكفر، دبروا فِي قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ وَأُمَّهُ عَادَ إِلَيْهِمْ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ، وَصَاحَ فِيهِمْ بِالدَّعْوَةِ فَهَمُّوا بِقَتْلِهِ وَتَوَاطَئُوا عَلَى الْفَتْكِ بِهِ فَذَلِكَ مَكْرُهُمْ، قال الله تَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] فَالْمَكْرُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ الْخُبْثُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْحِيلَةُ، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ اسْتِدْرَاجُ الْعَبْدِ وَأَخْذُهُ بَغْتَةً مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، كَمَا قَالَ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٨٢] ومكر الله تعالى بهم في هذه الآية هو إِلْقَاؤُهُ الشَّبَهَ عَلَى صَاحِبِهِمُ الَّذِي أَرَادَ قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، حتى قتل.

[قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ] إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا. . . .

[٥٥] {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: ٥٥] اختلفوا في بعض التَّوَفِّي هَاهُنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: إِنِّي قَابِضُكَ وَرَافِعُكَ فِي الدُّنْيَا إِلَيَّ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [الْمَائِدَةِ: ١١٧] أَيْ: قَبَضْتَنِي إِلَى السَّمَاءِ وَأَنَا حَيٌّ,

<<  <  ج: ص:  >  >>