جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ تَطْلُبُونَ مَرْضَاتِي وَمَا أَنَا بِغَافِلٍ عَنْ ثَوَابِكُمْ وَجَزَائِكُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: مَا أَنَا بِغَافِلٍ عَمَّا يَفْعَلُ الْيَهُودُ فَأُجَازِيهِمْ فِي الدُّنْيَا وفي الآخرة.
[١٤٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ} [البقرة: ١٤٥] يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: ائْتِنَا بآية على ما تقول، قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ} [البقرة: ١٤٥] معجزة، {مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البقرة: ١٤٥] يَعْنِي: الْكَعْبَةَ {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة: ١٤٥] لِأَنَّ الْيَهُودَ تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٥] الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: ١٤٥] من الْحَقِّ فِي الْقِبْلَةِ، {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٤٥]
[قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا] يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. . . .
[١٤٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي: مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ {يَعْرِفُونَهُ} [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي: يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] فَكَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ لَقَدْ عَرَفْتُهُ حِينَ رَأَيْتُهُ كَمَا عَرَفْتُ ابْنِي، وَمَعْرِفَتِي بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ مِنْ مَعْرِفَتِي بِابْنِي، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أشهد أنه رسول حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نعته الله في كتابنا، فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ فَقَدْ صَدَقْتَ، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرَ الْكَعْبَةِ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٤٦]
[١٤٧] ثُمَّ قَالَ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: ١٤٧] أي: هذا الحق خير، مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، وَقِيلَ: رُفِعَ بِإِضْمَارِ فعل، أي: جاء الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: ١٤٧] الشَّاكِّينَ.
[١٤٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} [البقرة: ١٤٨] أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ قِبْلَةٌ، وَالْوِجْهَةُ: اسْمٌ لِلْمُتَوَجَّهِ إِلَيْهِ {هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: ١٤٨] أي: مستقبلها، ومقبل عليها، يُقَالُ: وَلَّيْتُهُ، وَوَلَّيْتُ إِلَيْهِ إِذَا أقبلت عليه، وَوَلَّيْتُ عَنْهُ إِذَا أَدْبَرْتُ عَنْهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهَهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الله عز وجل، يعني: مولى الأمم إلى قبلتهم {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨] أَيْ: إِلَى الْخَيِّرَاتِ، يُرِيدُ بَادَرُوا بِالطَّاعَاتِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْقَبُولِ، {أَيْنَ مَا تَكُونُوا} [البقرة: ١٤٨] أَنْتُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، {يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة: ١٤٨] يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٤٨]
[١٤٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ١٤٩] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ.
[١٥٠] {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠] وإنما كرره لتأييد النَّسْخِ، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الْبَقَرَةِ: ١٥٠] اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهِ قَوْلِهِ: (إِلَّا) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَكُمْ قِبْلَةٌ، إِلَّا الَّذِينَ ظلموا وهم قُرَيْشٌ وَالْيَهُودُ، فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَتَقُولُ: رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا الْحَقُّ وَأَنَّهَا قِبْلَةُ آبَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَتَقُولُ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَقٌّ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا دَرَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قَبِلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ نَحْنُ، وَقَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: ١٥٠] وهم مُشْرِكُو مَكَّةَ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا صُرِفَتْ قَبِلَتُهُمْ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute