للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا تُقِيمُوا بِدَارِ الشِّرْكِ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ، {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: ٥٧] فَنَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: تُرْجَعُونَ.

[٥٨] {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} [العنكبوت: ٥٨] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالثَّاءِ سَاكِنَةً من غير همز فقال: ثوى الرجل إذا أقام وأثوبته إذا أنزلته منزلا يقيما فِيهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا أَيْ لننزلهم، {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} [العنكبوت: ٥٨] عَلَالِيَ، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: ٥٨]

[٥٩] {الَّذِينَ صَبَرُوا} [العنكبوت: ٥٩] عَلَى الشَّدَائِدِ وَلَمْ يَتْرُكُوا دِينَهُمْ لِشِدَّةٍ لَحِقَتْهُمْ، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت: ٥٩] يَعْتَمِدُونَ.

[٦٠] {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: ٦٠] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كانوا بمكة وقد آذهم الْمُشْرِكُونَ: «هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ» ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَخْرُجُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَنَا بِهَا دَارٌ وَلَا مَالٌ، فَمَنْ يُطْعِمُنَا بِهَا وَيَسْقِينَا؟ فَأَنْزَلَ الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} [العنكبوت: ٦٠] ذات حاجة إلى غداء، {لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: ٦٠] أي لا ترفع مَعَهَا وَلَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ مِثْلَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: ٦٠] حَيْثُ كُنْتُمْ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: ٦٠] السَّمِيعُ لِأَقْوَالِكُمْ لَا نَجِدُ مَا نُنْفِقُ بِالْمَدِينَةِ، الْعَلِيمُ بِمَا فِي قلوبكم.

[٦١] قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [العنكبوت: ٦١] يعني كفار مكة، {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: ٦١]

[٦٢] {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: ٦٢]

[٦٣] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [العنكبوت: ٦٣] عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: ٦٣] وَقِيلَ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إقرارهم لزوم النعمة عَلَيْهِمْ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: ٦٣] ينكرون التوحيد مع إقرارهم أنه الخالق لهذه الأشياء.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ] وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. . .

[٦٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: ٦٤] اللهو هو الاستماع بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا، وَاللَّعِبُ الْعَبَثُ سُمِّيَتْ بِهِمَا لِأَنَّهَا فَانِيَةٌ {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: ٦٤] أي الحياة الدائمة الباقية، والحيوان بِمَعْنَى الْحَيَاةِ أَيْ فِيهَا الْحَيَاةُ الدائمة، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤] فَنَاءَ الدُّنْيَا وَبَقَاءَ الْآخِرَةِ.

[٦٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: ٦٥] وَخَافُوا الْغَرَقَ، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥] وَتَرَكُوا الْأَصْنَامَ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥] هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ عِنَادِهِمْ وَأَنَّهُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ يُقِرُّونَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى كَشْفِهَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، فَإِذَا زَالَتْ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَكِبُوا الْبَحْرَ حَمَلُوا مَعَهُمُ الْأَصْنَامَ فَإِذَا اشْتَدَّتْ بِهِمُ الرِّيحُ أَلْقَوْهَا فِي الْبَحْرِ وقالوا: يا رب يا رب.

<<  <  ج: ص:  >  >>