، على الصراط، {يَقُولُونَ} [التحريم: ٨] إِذْ طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: ٨]
[٩] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: ٩] ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلصَّالِحِينَ وَالصَّالِحَاتِ مِنَ النِّسَاءِ.
[١٠] فَقَالَ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ} [التحريم: ١٠] واسمها واعلة , {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: ١٠] اسمها وَاهِلَةُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَالِعَةُ وَوَالِهَةُ، {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [التحريم: ١٠] وَهُمْا نُوحٌ وَلُوطٌ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -, {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: ١٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمَا، فَكَانَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ تَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ، وَإِذَا آمَنَ بِهِ أَحَدٌ أَخْبَرَتْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ، وَأَمَّا امْرَأَةُ لُوطٍ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ قَوْمَهُ عَلَى أَضْيَافِهِ, إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ بِاللَّيْلِ أَوْقَدَتِ النَّارَ, وَإِذَا نَزَلَ بِالنَّهَارِ دَخَّنَتْ لِيَعْلَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ، أَسَرَّتَا النِّفَاقَ وَأَظْهَرَتَا الْإِيمَانَ: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [التحريم: ١٠] لَمْ يَدْفَعَا عَنْهُمَا مَعَ نُبُوَّتِهِمَا، عَذَابَ اللَّهِ , {وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: ١٠] قَطَعَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ طَمَعَ كُلِّ مَنْ يَرْكَبُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ ينفعه صلاح غيره, ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَعْصِيَةَ غَيْرِهِ لَا تَضُرُّهُ إِذَا كَانَ مُطِيعًا.
[١١] فَقَالَ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: ١١] وَهِيَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا غَلَبَ مُوسَى السَّحَرَةَ آمَنَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَلَمَّا تَبَيَّنَ لِفِرْعَوْنَ إِسْلَامُهَا أَوْتَدَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ وَأَلْقَاهَا فِي الشَّمْسِ، قَالَ سَلْمَانُ: كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُعَذَّبُ بِالشَّمْسِ فَإِذَا انْصَرَفُوا عَنْهَا ظلتها الْمَلَائِكَةُ: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: ١١] فَكَشْفَ اللَّهُ لَهَا عَنْ بَيْتِهَا في الجنة حتى رأته: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} [التحريم: ١١] قَالَ مُقَاتِلٌ: وَعَمَلِهِ يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَعَمَلِهِ، قَالَ: جِمَاعُهُ: {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: ١١] الْكَافِرِينَ.
[١٢] {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ} [التحريم: ١٢] أَيْ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ، {مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} [التحريم: ١٢] يَعْنِي الشَّرَائِعَ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ للعباد بكلماته المنزلة {وَكُتُبِهِ} [التحريم: ١٢] أراد الكتب الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَدَاودَ وَعِيسَى - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -.
{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] أَيْ مِنَ الْقَوْمِ الْقَانِتِينَ الْمُطِيعِينَ لِرَبِّهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مِنَ الْقَانِتَاتِ, وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنَ الْقَانِتِينَ أَيْ مِنَ الْمَصَلِّينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْقَانِتِينَ رَهْطَهَا وَعَشِيرَتَهَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ صَلَاحٍ مُطِيعِينَ لِلَّهِ.
[سورة الملك]
[قوله تعالى تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ] شَيْءٍ قَدِيرٌ. . .
(٦٧) سُورَةُ الملك
[١ - ٢] {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ١ - ٢]
قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْمَوْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْحَيَاةَ فِي الْآخِرَةِ, وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ مَوْتَ الْإِنْسَانِ وَحَيَاتَهُ فِي الدُّنْيَا وجعل اللَّهُ الدُّنْيَا دَارَ حَيَاةٍ وَفَنَاءٍ, وَجَعْلَ الْآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ وَبَقَاءٍ: قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ إِلَى الْقَهْرِ أَقْرَبُ. وَقِيلَ: قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ, لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ كالنطفة والتراب ونحوهما، ثم طرأت عليها الحياة: {لِيَبْلُوَكُمْ} [الملك: ٢] فِيمَا بَيْنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا (أَحْسَنُ عَمَلًا) أَحْسَنُ عَقْلًا وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ, وَأَسْرَعُ فِي طاعة الله, وقال الفضيل بْنُ عِيَاضٍ: أَحْسَنُ عَمَلًا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ, وَقَالَ: الْعَمَلُ لَا يُقْبَلُ حتى يكون خالصا صوابا, فالخالص إِذَا كَانَ لِلَّهِ, وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ, وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّكُمْ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَأَتْرَكُ لها وقال الفراء: لم تقع الْبَلْوَى عَلَى أَيٍّ إِلَّا