[٧١ - ٧٢] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - حُورٌ مَقْصُورَاتٌ} [الرحمن: ٧١ - ٧٢] مَحْبُوسَاتٌ مَسْتُورَاتٌ فِي الْحِجَالِ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مَقْصُورَةٌ وَقَصِيرَةٌ إِذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً مَسْتُورَةً لَا تَخْرُجُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ وَأَنْفُسَهُنَّ على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلا، {فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: ٧٢] جمع خيمة.
[٧٣ - ٧٦] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ - فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [الرحمن: ٧٣ - ٧٦] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الرَّفْرَفُ رِيَاضُ الْجَنَّةِ خُضْرٍ مُخَضَّبَةٍ.
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاحِدَتُهَا رَفْرَفَةٌ، وَقَالَ: الرَّفَارِفُ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: الرَّفْرَفُ الْبُسُطُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَالْقُرَظِيِّ.
وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عن ابن عباس: الرفيف فُضُولُ الْمَجَالِسِ وَالْبُسُطِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: هِيَ مَجَالِسُ خُضْرٌ فَوْقَ الْفُرُشِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْمَرَافِقُ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الزَّرَابِيُّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلُّ ثَوْبٍ عَرِيضٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَفْرَفٌ.
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: ٧٦] هِيَ الزَّرَابِيُّ وَالطَّنَافِسُ الثِّخَانُ، وَهِيَ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا عَبْقَرِيَّةٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هِيَ الطَّنَافِسُ الْمُخَمَّلَةُ إِلَى الرِّقَّةِ.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: كُلُّ ثَوْبٍ مُوَشًّى عِنْدَ الْعَرَبِ عَبْقَرِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرْضٍ يُعْمَلُ بِهَا الْوَشْيُ.
قَالَ الْخَلِيلُ: كُلٌّ جَلِيلٍ نَفِيسٍ فَاخِرٍ مِنَ الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَ الْعَرَبِ عَبْقَرِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرْيَهُ» (١) .
[٧٧، ٧٨] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٧٧ - ٧٨] قَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ (ذُو الْجَلَالِ) بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ إجراء على الاسم.
[سورة الواقعة]
[قوله تعالى إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ] . . .
(٥٦) سورة الواقعة [١] {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الْوَاقِعَةُ: ١] إِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ.
وَقِيلَ: إِذَا نَزَلَتْ صَيْحَةُ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ النفخة الأخيرة.
[٢] {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} [الواقعة: ٢] لمجيئها {كَاذِبَةٌ} [الواقعة: ٢] كَذِبٌ، كَقَوْلِهِ: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية: ١١] أي لغو، يَعْنِي أَنَّهَا تَقَعُ صِدْقًا وَحَقًّا.
والكاذبة اسْمٌ كَالْعَافِيَةِ وَالنَّازِلَةِ.
[٣] {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة: ٣] تَخْفِضُ أَقْوَامًا إِلَى النَّارِ، وَتَرْفَعُ آخَرِينَ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَخْفِضُ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُرْتَفِعِينَ، وَتَرْفَعُ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُسْتَضْعَفِينَ.
[٤] {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة: ٤] حركت وزلزلت زلزلة، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَوْحَى إِلَيْهَا اضْطَرَبَتْ فَرَقًا.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تُرَجُّ كَمَا يُرَجُّ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ حَتَّى يَنْهَدِمَ كُلُّ بِنَاءٍ عَلَيْهَا وَيَنْكَسِرَ كُلُّ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا.
وَأَصْلُ الرَّجِّ فِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ، يُقَالُ: رَجَجْتُهُ فَارْتَجَّ.
[٥] {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: ٥] قال عطاء ومقاتل ومجاهد: فتتت فَتًّا فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَبْسُوسِ وَهُوَ الْمَبْلُولُ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالسُّدِّيُّ: كُسِرَتْ كَسْرًا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: سُيِّرَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ تَسْيِيرًا.
قَالَ الْحَسَنُ: قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَذَهَبَتْ، نَظِيرُهَا: {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: ١٠٥] قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: جُعِلَتْ كَثِيبًا مَهِيلًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَامِخَةً طَوِيلَةً.
[٦] {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: ٦] غُبَارًا مُتَفَرِّقًا كَالَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ إِذَا دَخَلَ الْكُوَّةَ وهو الهباء.
[٧] {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا} [الواقعة: ٧] أصنافا، {ثَلَاثَةً} [الواقعة: ٧]
[٨] ثُمَّ فَسَّرَهَا فَقَالَ: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة: ٨] هُمُ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى يَمِينِ آدَمَ حِينَ أُخْرِجَتِ الذُّرِّيَّةُ من صلبه، وَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هم الذين
(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ٧ / ٤١، ومسلم في فضائل الصحابة برقم (٢٣٩٣) ٤ / ١٨٦٢.