للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَكِيمَ الَّذِي يَعْمَلُ بِمَا يُوجِبُهُ العلم. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٢٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْهُ أَيْضًا: الْمُهْتَدِينَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الصَّابِرِينَ عَلَى النَّوَائِبِ كَمَا صَبَرَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

[قوله تعالى وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ] وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ. . . . .

[٢٣] {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: ٢٣] يَعْنِي: امْرَأَةَ الْعَزِيزِ، وَالْمُرَاوَدَةُ: طَلَبُ الفعل، والمراد ههنا أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا لِيُوَاقِعَهَا، {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: ٢٣] أَيْ: أَطْبَقَتْهَا، وَكَانَتْ سَبْعَةً، {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: ٢٣] أي: هلم وأقبل، قرأ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (هَيْتَ لَكَ) بفتح الهاء والتاء جميعا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: (هِيتَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: (هَيْتُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ، وضم التاء، والوجه أن في هذه الكلمة ثلاث لغات هيت وهيت وهيت، والكل بمعنى هلم، وقرأ السلمي وقتادة: (هيت لَكَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَضَمِّ التَّاءِ مهموزا على مثال جئت، يَعْنِي تَهَيَّأْتُ لَكَ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ، وَقَالَا: لَمْ يُحْكَ هَذَا عَنِ الْعَرَبِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: ٢٣] (١) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ حَوْرَانَ، وقعت إلى الحجاز معناها تَعَالَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ أَيْضًا بِالْحَوْرَانِيَّةِ هَلُمَّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هِيَ لُغَةٌ عَرَبِيَّةٌ، وَهِيَ كَلِمَةُ حَثٍّ وَإِقْبَالٍ عَلَى الشَّيْءِ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ الْعَرَبَ لَا تثني (هيت) ولا تجمع، وتؤنث، وإنها صورة وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ حَالٍ. {قَالَ} [يوسف: ٢٣] يُوسُفَ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ، {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: ٢٣] أَيْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَأَعْتَصِمُ بِاللَّهِ مِمَّا دَعَوْتِنِي إِلَيْهِ، {إِنَّهُ رَبِّي} [يوسف: ٢٣] يُرِيدُ أَنَّ زَوْجَكِ قِطْفِيرَ سَيِّدِي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: ٢٣] أَيْ: أَكْرَمَ مَنْزِلِي، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، أَيْ: آوَانِي، وَمِنْ بَلَاءِ الْجُبِّ عَافَانِي. {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: ٢٣] يعني: إن فعل هَذَا فَخُنْتُهُ فِي أَهْلِهِ بَعْدَ مَا أَكْرَمَ مَثْوَايَ فَأَنَا ظَالِمٌ، وَلَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَقِيلَ: لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أَيْ لَا يَسْعَدُ الزُّنَاةُ.

[٢٤] {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: ٢٤] وَالْهَمُّ هُوَ الْمُقَارَبَةُ مِنَ الْفِعْلِ من غير دخول فيه، وَزَعْمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقَالَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قوله {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف: ٢٤] ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤] عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا، وَلَكِنَّهُ رَأَى الْبُرْهَانَ فَلَمْ يهم، وأنكره النحاة، وقال: إِنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤَخِّرُ (لَوْلَا) عَنِ الْفِعْلِ، فَلَا تَقُولُ: لَقَدْ قُمْتُ لَوْلَا زَيْدٌ، وَهُوَ يُرِيدُ لولا زيد


(١) أخره الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٤٦ وصححه على شرط الشيخين.

<<  <  ج: ص:  >  >>