اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِذَا نَسِيَ شَيْئًا وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا نَسِيَهُ. وَيُقَالُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُؤْتِيهِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مَا هُوَ أَدَلُّ لَهُمْ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقَدْ فَعَلَ حَيْثُ أَتَاهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ حال الْمُرْسَلِينَ مَا كَانَ أَوْضَحَ لَهُمْ فِي الْحُجَّةِ وَأَقْرَبَ إِلَى الرُّشْدِ مِنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا شَيْءٌ أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ مَعَ قَوْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَإِذَا نَسِيَ الْإِنْسَانُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: (عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) .
[٢٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ} [الكهف: ٢٥] يَعْنِي أَصْحَابَ الْكَهْفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: ٢٦] وَجْهٌ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَقَالُوا لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: ٢٦] وَقَالَ الْآخَرُونَ. هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: ٢٦] فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ نَازَعُوكَ فِيهَا فَأَجِبْهُمْ: وَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ لَدُنْ دَخَلُوا الْكَهْفَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا يَعْنِي بَعْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} [الكهف: ٢٥] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (ثَلَاثَ مِائَةَ) بِلَا تَنْوِينٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالتَّنْوِينِ، فإن قيل: لم قال ثلاثمائة سِنِينَ وَلَمْ يَقُلْ سَنَةً؟ قِيلَ: نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ} [الكهف: ٢٥] فَقَالُوا: أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سنين؟ فنزلت {سِنِينَ} [الكهف: ٢٥] قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَضَعُ سِنِينَ فِي مَوْضِعِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ سنين ثلاثمائة. {وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: ٢٥] قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ: أما ثلاثمائة فَقَدْ عَرَفْنَا وَأَمَّا التِّسْعُ فَلَا عِلْمَ لَنَا بِهَا فَنَزَلَتْ.
[٢٦] {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: ٢٦] رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَبِثُوا ثلاثمائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاثمائة قَمَرِيَّةً وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ ثَلَاثَ سنين، فيكون في ثلاثمائة تِسْعُ سِنِينَ فَلِذَلِكَ قَالَ: {وَازْدَادُوا تِسْعًا - لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: ٢٥ - ٢٦] فالغيب ما يغيب عن إدراكك وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَغِيبُ عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيْءٌ. {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: ٢٦] أَيْ مَا أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ، أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شيء، {مَا لَهُمْ} [الكهف: ٢٦] أَيْ: مَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، {مِنْ دُونِهِ} [الكهف: ٢٦] أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، {مِنْ وَلِيٍّ} [الكهف: ٢٦] نَاصِرٍ, {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: ٢٦] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: وَلَا تُشْرِكْ بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَالنَّهْيِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ أَيْ لَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَقِيلَ: الْحُكْمُ هَنَا عِلْمُ الْغَيْبِ لَا يُشْرِكُ فِي عِلْمِ غَيْبِهِ أحدا.
[٢٧] قوله عز وجل: {وَاتْلُ} [الكهف: ٢٧] أي: وَاقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ، {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف: ٢٧] يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ، {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: ٢٧] قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا مُغَيِّرَ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ، {وَلَنْ تَجِدَ} [الكهف: ٢٧] أنت، {مِنْ دُونِهِ} [الكهف: ٢٧] إِنْ لَمْ تَتَّبِعِ الْقُرْآنَ، {مُلْتَحَدًا} [الكهف: ٢٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: حِرْزًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدْخَلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَلْجَأً. وَقِيلَ: مَعْدَلًا. وَقِيلَ: مَهْرَبًا. وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَيْلِ.
[قوله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ] بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . . .
[٢٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: ٢٨] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute