[سورة الفاتحة]
[أسماء سورة الفاتحة]
(١) سورة الفاتحة وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مَعْرُوفَةٌ: فاتحة الكتاب، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَدَنِيَّةٌ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى منَّ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحِجْرِ: ٨٧] وَالْمُرَادُ مِنْهَا: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ، فَلَمْ يَكُنْ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِهَا قَبْلَ نُزُولِهَا.
[قوله تعالى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
[١] قوله: {بِسْمِ اللَّهِ} [الفاتحة: ١] الباء زائدة يخفض مَا بَعْدَهَا، مِثْلَ مِنْ وَعَنْ، والمتعلق به مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: أَبْدَأُ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ، وَأُسْقِطَتِ الْأَلِفُ مِنَ الاسم طلبًا للخفة لكثرة استعمالها، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى التَّسْمِيَةِ مِنَ اللَّهِ لِنَفْسِهِ؟ قِيلَ: هُوَ تعليم للعباد كيف يستفتحون القراءة.
قوله تعالى: {اللَّهِ} [الفاتحة: ١] قَالَ الْخَلِيلُ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ اسْمُ علم خاص بالله عَزَّ وَجَلَّ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ لِلْعِبَادِ، مِثْلَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ مُشْتَقٌّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهِ فَقِيلَ: مِنْ أَلَهَ إِلَاهَةً أَيْ: عَبَدَ عِبَادَةً، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما " ويذرك وإلاهتك " أي: عبادتك. معناه أنه المستحق لِلْعِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ إِلَهٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] قَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَلَهْتُ إِلَى فُلَانٍ أَيْ سَكَنْتُ إِلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَهْتُ إِلَيْهَا وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ
فَكَأَنَّ الْخَلْقَ يَسْكُنُونَ إِلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّونَ بِذِكْرِهِ، يقال: أَلَهْتُ إِلَيْهِ أَيْ: فَزِعْتُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْإِلَهِ وِلَاهٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ بِالْهَمْزَةِ مِثْلَ وِشَاحٍ وَإِشَاحٍ، اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْوَلَهِ لِأَنَّ الْعِبَادَ يَوْلَهُونَ إِلَيْهِ، أَيْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ في الشدائد ويلجؤون إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ كَمَا يَوْلَهُ كُلُّ طِفْلٍ إِلَى أُمِّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْوَلَهِ وَهُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ لِفَقْدِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْكَ.
قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا أرق من الآخر، وَاخْتَلَفُوا فِي آيَةِ التَّسْمِيَةِ فَذَهَبَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَفُقَهَاءُ الْكُوفَةِ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَالِافْتِتَاحُ بِهَا لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَذَهَبَ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَأَكْثَرُ فقهاء الحجاز إلى أنها ليست مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ السور، فإنما كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سورة إلا سورة التوبة، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيات والآية الْأُولَى عِنْدَ مَنْ يَعُدُّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ {صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: ٧] ومن لا يَعُدَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ قَالَ: ابْتِدَاؤُهَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧]
[قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرحيم]
[٢، ٣] قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: ٢] لفظه خبر كأنه يخبر عن الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَمْدِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ تَقْدِيرَهُ: قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ يَكُونُ بِمَعْنَى الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، يُقَالُ: حَمِدْتُ فُلَانًا عَلَى مَا أَسْدَى إِلَيَّ من نعمة، وَحَمِدْتُهُ عَلَى عِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى النِّعْمَةِ، والحمد أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ إِذْ لَا يُقَالُ: شَكَرْتُ فُلَانًا عَلَى عِلْمِهِ، فَكُلُّ حَامِدٍ شَاكِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ شاكر حامدا.
قوله: {لِلَّهِ} [الفاتحة: ٢] اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا يُقَالُ: الدَّارُ لِزَيْدٍ. قَوْلُهُ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢ - ٣] فَالرَّبُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَالِكِ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكِ الدَّارِ: رَبُّ الدَّارِ، وَيُقَالُ: رَبُّ الشَّيْءِ إِذَا مَلَكَهُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ يُقَالُ: رَبَّ