{مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣] يُثَنَّى فِيهِ ذِكْرُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ، {تَقْشَعِرُّ} [الزمر: ٢٣] تَضْطَرِبُ وَتَشْمَئِزُّ، {مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: ٢٣] وَالِاقْشِعْرَارُ تَغَيُّرٌ فِي جَلْدِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْوَجَلِ وَالْخَوْفِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْجُلُودِ الْقُلُوبُ أَيْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣] أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ، أَيْ إِذَا ذُكِرَتْ آيَاتُ الْعَذَابِ اقْشَعَرَّتْ جُلُودُ الْخَائِفِينَ لِلَّهِ، وَإِذَا ذُكِرَتْ آيَاتُ الرَّحْمَةِ لَانَتْ وَسَكَنَتْ قُلُوبُهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرَّعْدِ: ٢٨] وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَهُمْ تَقْشَعِرُّ مِنَ الخوف وتلين عند الرجاء. {ذَلِكَ} [الزمر: ٢٣] يَعْنِي أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، {هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: ٢٣]
[٢٤] {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر: ٢٤] أي شدته، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ٢٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ مَنْكُوسًا فَأَوَّلُ شيء تَمَسُّهُ النَّارُ وَجْهُهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنَّ الْكَافِرَ يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ , وَفِي عُنُقِهِ صَخْرَةٌ مِثْلُ جَبَلٍ عَظِيمٍ مِنَ الْكِبْرِيتِ فَتَشْتَعِلُ النَّارُ فِي الْحَجَرِ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ في عنقه فحرها وَوَهَجُهَا عَلَى وَجْهِهِ لَا يَطِيقُ دَفْعَهَا عَنْ وَجْهِهِ، لِلْأَغْلَالِ الَّتِي فِي عُنُقِهِ وَيَدِهِ. وَمَجَازُ الْآيَةِ: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ كَمَنْ هُوَ آمِنٌ مِنَ الْعَذَابِ؟ {وَقِيلَ} [الزمر: ٢٤] يَعْنِي تَقُولُ الْخَزَنَةُ {لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: ٢٤] أَيْ وَبَالَهُ.
[٢٥] {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الزمر: ٢٥] مِنْ قَبْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، {فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [الزمر: ٢٥] يَعْنِي وَهُمْ آمِنُونَ غَافِلُونَ مِنَ العذاب.
[٢٦] {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ} [الزمر: ٢٦] الْعَذَابَ وَالْهَوَانَ، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٢٦]
[٢٧] {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: ٢٧] يتعظون.
[٢٨] {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزمر: ٢٨] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: ٢٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرُ مُخْتَلِفٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ، غَيْرُ ذِي لَبْسٍ. قَالَ الْسُّدِّيُّ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وحكى عن سفيان ابن عُيَيْنَةَ عَنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعَيْنِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مخلوق، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: ٢٨] الكفر والتكذيب.
[٢٩] {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا} [الزمر: ٢٩] قَالَ الْكِسَائِيُّ نُصِبَ رَجُلًا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَثَلِ، {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر: ٢٩] مُتَنَازِعُونَ مُخْتَلِفُونَ سَيِّئَةٌ أَخْلَاقُهُمْ، يُقَالُ رَجُلٌ شَكِسٌ شَرِسٌ إِذَا كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ مُخَالِفًا لِلنَّاسِ لَا يَرْضَى بِالْإِنْصَافِ. {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر: ٢٩] قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ (سَالِمًا) بِالْأَلِفِ أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute