للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظُلْمَةُ السَّحَابِ وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، أَيْ: ظُلْمَةُ الْمَوْجِ عَلَى ظُلْمَةِ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ فَوْقَ الْمَوْجِ، وَظُلْمَةُ السَّحَابِ عَلَى ظُلْمَةِ الْمَوْجِ، وَأَرَادَ بِالظُّلُمَاتِ أَعْمَالَ الْكَافِرِ وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيِّ قَلْبَهُ، وَبِالْمَوْجِ مَا يَغْشَى قَلْبَهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ، وَبِالسَّحَابِ الختم والطبع على قلبه. {إِذَا أَخْرَجَ} [النور: ٤٠] يَعْنِي النَّاظِرَ، {يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠] يَعْنِي لَمْ يَقْرُبْ مِنْ أَنْ يَرَاهَا مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ. وَقَالَ الفراء: {يَكَدْ} [النور: ٤٠] صِلَةٌ أَيْ لَمْ يَرَهَا، قَالَ المبرد. بعني لَمْ يَرَهَا إِلَّا بَعْدَ الْجُهْدِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: مَا كِدْتُ أَرَاكَ مِنَ الظُّلْمَةِ وَقَدْ رَآهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ يَأْسٍ وَشِدَّةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَرُبَ مِنْ رُؤْيَتِهَا وَلَمْ يَرَهَا, كَمَا يُقَالُ: كَادَ النَّعَامُ يَطِيرُ. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ دِينًا وَإِيمَانًا فَلَا دِينَ لَهُ. وَقِيلَ: مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا إِيمَانَ لَهُ وَلَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ كَانَ يَلْتَمِسُ الدِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَلْبَسُ الْمُسُوحَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَفْرَ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ في جميع الكفار.

[٤١] قوله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [النور: ٤١] بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتَهُنَّ بِالْهَوَاءِ. قِيلَ: خَصَّ الطَّيْرَ بِالذِّكْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْ حُكْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١] قَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّلَاةُ لِبَنِي آدَمَ، وَالتَّسْبِيحُ لِسَائِرِ الْخَلْقِ. وَقِيلَ: إِنَّ ضَرْبَ الْأَجْنِحَةِ صَلَاةُ الطَّيْرِ وَصَوْتَهُ تَسْبِيحُهُ. قَوْلُهُ: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ) أَيْ: كُلُّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّحٍ عَلِمَ اللَّهُ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُلُّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّحٍ مِنْهُمْ قَدْ عَلِمَ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَتَسْبِيحَهُ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: ٤١]

[٤٢] {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [النور: ٤٢]

[٤٣] {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي} [النور: ٤٣] يعني يسوق بأمره، {سَحَابًا} [النور: ٤٣] إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ، {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} [النور: ٤٣] يعني يَجْمَعُ بَيْنَ قِطَعِ السَّحَابِ الْمُتَفَرِّقَةِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور: ٤٣] مُتَرَاكِمًا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، {فَتَرَى الْوَدْقَ} [النور: ٤٣] يَعْنِي الْمَطَرَ، {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [النور: ٤٣] وَسَطِهِ وَهُوَ جَمْعُ الْخَلَلِ، كَالْجِبَالِ جَمْعِ الْجَبَلِ. {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: ٤٣] يَعْنِي: يُنَزِّلُ الْبَرَدَ، وَ (مِنْ) صِلَةٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ أَيْ مِقْدَارَ جِبَالٍ فِي الْكَثْرَةِ مِنَ الْبَرَدِ، (مِنْ) فِي قَوْلِهِ (مِنْ جِبَالٍ) صِلَةٌ أَيْ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ جِبَالًا مِنْ بَرَدٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَيُنَزِّلُ مِنْ جِبَالٍ فِي السَّمَاءِ تِلْكَ الْجِبَالُ مِنْ بَرَدٍ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِي السَّمَاءِ جِبَالًا مِنْ بَرَدٍ، وَمَفْعُولُ الْإِنْزَالِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>