الْمُشْرِكُونَ.
[٤٤] {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: ٤٤] قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: أَنَى يَأْنَى فَهُوَ آنٌ إِذَا انْتَهَى فِي النُّضْجِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ بَيْنَ الْجَحِيمِ وَالْحَمِيمِ فَإِذَا اسْتَغَاثُوا مِنْ حَرِّ النَّارِ جُعِلَ عَذَابُهُمُ الْحَمِيمَ الْآنِيَ الَّذِي صَارَ كَالْمُهْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الْكَهْفِ: ٢٩] وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: آنٍ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ يَجْتَمِعُ فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ فِي الْأَغْلَالِ فَيُغْمَسُونَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي حَتَّى تَنْخَلِعَ أَوْصَالُهُمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَقَدْ أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى بهم خَلْقًا جَدِيدًا فَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: ٤٤]
[٤٥] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٤٥] وَكُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: ٢٦] إلى ههنا مَوَاعِظُ وَزَوَاجِرُ وَتَخْوِيفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تَزْجُرُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلِذَلِكَ خَتَمَ كل آية بقول {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٤٥] ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَعَدَّهُ لِمَنِ اتَّقَاهُ وَخَافَهُ.
[٤٦] فَقَالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [الرحمن: ٤٦] أَيْ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ لِلْحِسَابِ فَتَرَكَ الْمَعْصِيَةَ وَالشَّهْوَةَ.
وَقِيلَ: قِيَامُ رَبِّهِ عَلَيْهِ بَيَانُهُ قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرَّعْدِ: ٣٣] وَقَالَ إبراهيم النخعي وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَدَعَهَا مِنْ مَخَافَةِ الله.
وقوله: {جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] قَالَ مُقَاتِلٌ: جَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: جَنَّةٌ لِخَوْفِهِ رَبَّهُ وَجَنَّةٌ لِتَرْكِهِ شَهْوَتَهُ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا لِمَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِعِلْمِهِ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ مُحَرَّمٍ تَرَكَهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ أَفْضَى بِهِ إِلَى اللَّهِ لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَافُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ فَعَمِلُوا لِلَّهِ وَدَأَبُوا بالليل والنهار.
[٤٧] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٤٧] ثُمَّ وَصَفَ الْجَنَّتَيْنِ.
[٤٨] فَقَالَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: ٤٨] أَغْصَانٍ وَاحِدُهَا فَنَنٌ، وَهُوَ الْغُصْنُ الْمُسْتَقِيمُ طُولًا.
وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْكَلْبِيِّ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ظِلُّ الْأَغْصَانِ عَلَى الْحِيطَانِ.
قَالَ الْحَسَنُ: ذَوَاتَا ظِلَالٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ألوان، وَقَالَ قَتَادَةُ: ذَوَاتَا فَضْلٍ وَسَعَةٍ عَلَى مَا سِوَاهُمَا.
[٤٩ - ٥٠] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن: ٤٩ - ٥٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْكَرَامَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَالَ الْحَسَنُ: تَجْرِيَانِ بِالْمَاءِ الزُّلَالِ إِحْدَاهُمَا التَّسْنِيمُ والأخرى السلسبيل.
وقال عطاء: إِحْدَاهُمَا مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَالْأُخْرَى مَنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ.
[٥١ - ٥٢] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن: ٥١ - ٥٢] صِنْفَانِ وَنَوْعَانِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ ضَرْبَيْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَةٌ حُلْوَةٌ وَلَا مُرَّةٌ إِلَّا وَهِيَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى الْحَنْظَلُ إِلَّا أَنَّهُ حُلْوٌ.
[٥٣ - ٥٤] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ} [الرحمن: ٥٣ - ٥٤] جمع فراش، {بَطَائِنُهَا} [الرحمن: ٥٤] جَمْعُ بِطَانَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَحْتَ الظِّهَارَةِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَهِيَ مِمَّا يلي الأرض.
{مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: ٥٤] وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ: هَذِهِ الْبَطَائِنُ فَمَا ظَنَّكُمْ بِالظَّوَاهِرِ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَصَفَ الْبَطَائِنَ وَتَرَكَ الظَّوَاهِرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَا الظَّوَاهِرُ.
{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: ٥٤] الْجَنَى مَا يُجْتَنَى مِنَ الثِّمَارِ، يريد ثمرهما دَانٍ قَرِيبٌ يَنَالُهُ الْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالنَّائِمُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَدْنُو الشَّجَرَةُ حَتَّى يَجْتَنِيَهَا وَلِيُّ اللَّهِ إِنْ شَاءَ قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا.
قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَرُدُّ أَيْدِيَهُمْ عَنْهَا بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ.
[٥٥ - ٥٦] {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: ٥٥ - ٥٦] غَاضَّاتُ الْأَعْيُنِ، قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِهِمْ ولا يردن غيرهم، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} [الرحمن: ٥٦] لَمْ يُجَامِعْهُنَّ وَلِمَ يَفْتَرِعْهُنَّ،