للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: ١٤] الْخَيْلُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَاحِدُهَا فَرَسٌ، كَالْقَوْمِ والنساء ونحوهما، و {الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران: ١٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَسْوِيمُهَا حُسْنُهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ الرَّاعِيَةُ، يقال: أسام الخيل وسومها، وقال الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمُعَلَّمَةُ من السيماء الْعَلَامَةُ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: سِيمَاهَا الشَّبَهُ وَاللَّوْنُ، وَهُوَ قَوْلُ قتادة، وقيل: الكي، {وَالْأَنْعَامِ} [آل عمران: ١٤] جَمْعُ النَّعَمِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ من لفظه، {وَالْحَرْثِ} [آل عمران: ١٤] يعني: الزرع، {ذَلِكَ} [آل عمران: ١٤] الذي ذكرت، {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: ١٤] يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا مَتَاعٌ يَفْنَى، {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: ١٤] أي: المرجع، فيه إشارة إلى التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة.

[١٥] قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} [آل عمران: ١٥] أي: أخبركم {بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: ١٥]

[١٦] ، {الَّذِينَ يَقُولُونَ} [آل عمران: ١٦] إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ مَحَلَّ {الَّذِينَ} [آل عمران: ١٦] خَفْضًا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [آل عمران: ١٥] وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا تَقْدِيرُهُ: أَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} [آل عمران: ١٦] صدقنا، {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران: ١٦] اسْتُرْهَا عَلَيْنَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا، {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٦]

[١٧] ، {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} [آل عمران: ١٧] إِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهَا عَلَى الْمَدْحِ، وَإِنْ شِئْتَ خَفَضْتَهَا عَلَى النَّعْتِ، يعني: الصابرين في أداء الأوامر، وعن ارتكاب النهي، وعن الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ وَالصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ قَوْمٌ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ فَصَدَقُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، {وَالْقَانِتِينَ} [آل عمران: ١٧] المطيعين المصلين، {وَالْمُنْفِقِينَ} [آل عمران: ١٧] أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: ١٧] قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْمُصَلِّينَ بِالْأَسْحَارِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ: بِالسَّحَرِ لِقُرْبِهِ مِنَ الصُّبْحِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثم استغفروا.

[١٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَدِمَ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ عَلَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أبصر الْمَدِينَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ بِصِفَةِ مَدِينَةِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ عَرَفَاهُ بِالصِّفَةِ، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا لَهُ: وَأَنْتَ أَحْمَدُ؟ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، قَالَا لَهُ: فَإِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهِ آمَنَّا بِكَ وصدقناك، فقال: نعم، قالا: فأخبرنا عَنْ أَعْظَمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَسْلَمَ الرَّجُلَانِ. قوله: {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: ١٨] أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تبيين، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَكَمَ اللَّهُ، وَقِيلَ: علم اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو. وقوله: {وَالْمَلَائِكَةُ} [آل عمران: ١٨] أَيْ: وَشَهِدَتِ الْمَلَائِكَةُ، قِيلَ: مَعْنَى شَهَادَةِ اللَّهِ: الْإِخْبَارُ وَالْإِعْلَامُ، وَمَعْنَى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار، {وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨] يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عُلَمَاءُ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي جَمِيعَ عُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨] أي: بالعدل، وقيل معنى قوله: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨] أَيْ: قَائِمًا بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، كَمَا يقال: فلان قائم أمر فُلَانٍ أَيْ: مُدَبِّرٌ لَهُ وَمُتَعَهِّدٌ لأسبابه، وفلان قائم بِحَقِّ فُلَانٍ أَيْ: مُجَازٍ لَهُ، فالله تعالى مدبر ورازق ومجاز بِالْأَعْمَالِ، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨]

[١٩] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] يَعْنِي: الدِّينَ الْمَرْضِيَّ الصَّحِيحَ، كَمَا قال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: ٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>