هذه الآية.
[٩٧] {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: ٩٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ عِنْدَ خلق السماء والأرض، خلقه قبل الأرض بألفي عام، وكان زبدة بيضاء على الماء، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ بني في الأرض، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ بَنَاهُ آدَمُ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ مُبَارَكٍ وضع هدى للناس يعبد الله فيه ويحج إليه، وقيل: هو أَوَّلُ بَيْتٍ جُعِلَ قِبْلَةً لِلنَّاسِ، وقال الحسن والكلبي: معناه أنه أَوَّلُ مَسْجِدٍ وَمُتَعَبَّدٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ يعبد الله فِيهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: ٩٦] قَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ مَكَّةُ نَفْسُهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ في مكة، وَمَكَّةُ اسْمُ الْبَلَدِ كُلِّهِ وَقِيلَ: بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَطَافِ، سُمِّيَتْ بَكَّةَ: لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا، أَيْ يَزْدَحِمُونَ يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَمُرُّ بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ، {مُبَارَكًا} [آل عمران: ٩٦] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ: ذَا بَرَكَةٍ وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، لِأَنَّهُ قِبْلَةُ للمؤمنين فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، قَرَأَ ابْنُ عباس (آية بينة) على الواحد، وَأَرَادَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، بِالْجَمْعِ، فَذَكَرَ مِنْهَا مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ أثر قدميه فيه، ومن تلك الآيات في البيت الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْحَطِيمُ وَزَمْزَمُ وَالْمَشَاعِرُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعُ الحرم، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] من أن يهاج فِيهِ، وَذَلِكَ بِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: ٣٥] وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تقديره: ومن دخله فأمنوه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَنْ دَخَلَهُ مُعَظِّمًا لَهُ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧] أَيْ: وَلِلَّهِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى الناس حج البيت، والحج أحد أركان الْإِسْلَامِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يكون قادرا مُسْتَطِيعًا بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِغَيْرِهِ، أَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ بِنَفْسِهِ، فأن يَكُونَ قَادِرًا بِنَفْسِهِ عَلَى الذِّهَابِ ووجد الزاد والراحلة، أما الاستطاعة بالغير فهي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَاجِزًا بِنَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، لَكِنْ لَهُ مَالٌ يُمَكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ به مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ له مال بل بَذَلَ لَهُ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الطَّاعَةَ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ إِذَا كَانَ يَعْتَمِدُ صِدْقَهُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ يتعلق بالاستطاعة، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ٩٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: جَحَدَ فَرْضَ الْحَجِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute