للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: ١٤٩] يرجعوكم إلى أول أمركم من الشرك بالله، {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: ١٤٩] مَغْبُونِينَ.

[١٥٠] ثُمَّ قَالَ: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ} [آل عمران: ١٥٠] ناصركم وحافظكم على دينكم الإسلام، {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: ١٥٠]

[١٥١] {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [آل عمران: ١٥١] وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمَّا ارْتَحَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ مَكَّةَ انْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بَعْضَ الطَّرِيقِ، نَدِمُوا وَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْنَا قَتَلْنَاهُمْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ تَرَكْنَاهُمُ، ارْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ، فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، حَتَّى رَجَعُوا عما هموا به، فذلك قوله تعالى (سَنُلْقِي) أَيْ: سَنَقْذِفُ فِي قُلُوبِ الذين كفروا الرعب، الخوف {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: ١٥١] حُجَّةً وَبُرْهَانًا، {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ١٥١] مَقَامُ الْكَافِرِينَ.

[١٥٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران: ١٥٢] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى المدينة من أحد، قد أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا؟ وَقَدْ وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [آل عمران: ١٥٢] وذلك أن الظفر كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الِابْتِدَاءِ، {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: ١٥٢] وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِينَةَ وَجَعَلَ عَيْنَيْنَ وَهُوَ جَبَلٌ عَنْ يَسَارِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الرُّمَاةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمُ: احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقَتَّلُ فَلَا تَنْصُرُونَا، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَأَخَذُوا فِي الْقِتَالِ فَجَعَلَ الرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَضْرِبُونَهُمْ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى وَلَّوْا هَارِبِينَ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) أَيْ تَقْتُلُونَهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا بِقَضَاءِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو عبيدة: (الحس) : الِاسْتِئْصَالُ بِالْقَتْلِ {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} [آل عمران: ١٥٢] أَيْ إِنْ جَبُنْتُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلَمَّا فَشِلْتُمْ، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} [آل عمران: ١٥٢] فالواو زائدة في (وَتَنَازَعْتُمْ) يعني: إِذَا فَشِلْتُمْ تَنَازَعْتُمْ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ فَشِلْتُمْ، وَمَعْنَى التَّنَازُعِ الِاخْتِلَافُ، وَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ أَنَّ الرُّمَاةَ اخْتَلَفُوا حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: انْهَزَمَ الْقَوْمُ فَمَا مُقَامُنَا؟ وَأَقْبَلُوا عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُجَاوِزُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَبَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ دُونَ الْعَشْرَةِ، فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ذَلِكَ حَمَلُوا عَلَى الرُّمَاةِ فَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ، وأقبلوا على المسلمين وجاءت الرِّيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>