للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحن، {وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١٤٨] مِنْ قَبْلُ، {وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] مَنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَغَيْرِهِمَا، أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا قَوْلَهُ: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) ، حُجَّةً لَهُمْ عَلَى إِقَامَتِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا نَفْعَلَهُ، فَلَوْلَا أَنَّهُ رَضِيَ بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَأَرَادَهُ مِنَّا وَأَمَرَنَا بِهِ لَحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ، {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام: ١٤٨] مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام: ١٤٨] عَذَابَنَا. وَيَسْتَدِلُّ أَهْلُ الْقَدَرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) كَذَّبَهُمُ اللَّهُ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، قُلْنَا. التَّكْذِيبُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) ، بَلْ ذَلِكَ الْقَوْلُ صِدْقٌ، وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِهَا وَرَضِيَ بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سورة الأعراف: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: ٢٨] فَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨] وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ وَرَدَ فِيمَا قُلْنَا لَا فِي قَوْلِهِمْ: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) ، قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، بِالتَّشْدِيدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) ، لَقَالَ كذلك كذب الذين مع قَبْلِهِمْ بِالتَّخْفِيفِ فَكَانَ يَنْسِبُهُمْ إِلَى الْكَذِبِ لَا إِلَى التَّكْذِيبِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِهِ لَمَا عَابَهُمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: ١٠٧] وَقَالَ: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ: ١١١] وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوهُ تَكْذِيبًا وَتَخَرُّصًا وَجَدَلًا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِاللَّهِ وَبِمَا يَقُولُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزُّخْرُفِ: ٢٠] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ٢٠] وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْحَقَّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَهُ عُذْرًا لِأَنْفُسِهِمْ وَيَجْعَلُونَهُ حُجَّةً لِأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ غَيْرُ آمِرٍ بِجَمِيعِ مَا يُرِيدُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَّبِعَ أَمْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَشِيئَتِهِ، فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِأَحَدٍ. {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٤٨] أَيْ: كِتَابٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ، {فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: ١٤٨] حَتَّى يَظْهَرَ مَا تَدَّعُونَ عَلَى الله تعالى من الشرك وتحريم ما حرمتموه، {إِنْ تَتَّبِعُونَ} [الأنعام: ١٤٨] مَا تَتْبَعُونَ فِيمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، {إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: ١٤٨] مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَيَقِينٍ، {وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨] تَكْذِبُونَ.

[١٤٩] {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: ١٤٩] التَّامَّةُ عَلَى خَلْقِهِ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ وَالْبَيَانِ، {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ إِيمَانَ الْكَافِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>