[٣] {اتَّبِعُوا} [الأعراف: ٣] أَيْ وَقُلْ لَهُمُ اتَّبِعُوا: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: ٣] أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا غَيْرَهُ أَوْلِيَاءَ تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣] تتعظون، وقرأ ابن عامر: (تذكرون) ، بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ.
[٤] {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف: ٤] بِالْعَذَابِ، (وَكَمْ) لِلتَّكْثِيرِ وَ (رُبَّ) للتقليل، {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: ٤] عذابنا، {بَيَاتًا} [الأعراف: ٤] ليلا {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: ٤] مِنَ الْقَيْلُولَةِ، تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَهَا بَأْسُنَا لَيْلًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوْ نَهَارًا وهم قائلون أو نَائِمُونَ ظَهِيرَةً، وَالْقَيْلُولَةُ: الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا وَهُمْ غَيْرُ مُتَوَقِّعِينَ لَهُ إِمَّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَ (أَوْ) لِتَصْرِيفِ الْعَذَابِ، مَرَّةً لَيْلًا وَمَرَّةً نَهَارًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى مَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ لَيْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ نَهَارًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا؟ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجِيءُ الْبَأْسِ بَعْدَ الْهَلَاكِ؟ قِيلَ: معنى (أهلكنا) حَكَمْنَا بِإِهْلَاكِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا. وَقِيلَ: فَجَاءَهَا بَأْسُنَا هُوَ بَيَانُ قَوْلِهِ {أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف: ٤] مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَعْطَيْتَنِي فَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَحْسَنْتَ إِلَيَّ فَأَعْطَيْتَنِي، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا مِنَ الْآخَرِ.
[٥] {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} [الأعراف: ٥] أَيْ: قَوْلُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ وَتَضَرُّعُهُمْ، وَالدَّعْوَى تَكُونُ بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ الْعَرَبُ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي دُعَائِهِمْ، {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} [الأعراف: ٥] عَذَابُنَا، {إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف: ٥] مَعْنَاهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَدِّ الْعَذَابِ، وَكَانَ حَاصِلَ أَمْرِهِمُ الِاعْتِرَافُ بِالْجِنَايَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُ الِاعْتِرَافُ.
[٦] {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} [الأعراف: ٦] يَعْنِي: الْأُمَمَ عَنْ إِجَابَتِهِمُ الرُّسُلَ، وَهَذَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لَا سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ، يَعْنِي: لَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا عَمِلُوا فِيمَا بَلَّغَتْهُمُ الرُّسُلُ، {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦] عَنِ الْإِبْلَاغِ.
[٧] {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} [الأعراف: ٧] أَيْ: لَنُخْبِرَنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الْجَاثِيَةِ: ٢٩] {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: ٧] عَنِ الرُّسُلِ فِيمَا بَلَّغُوا، وَعَنِ الأمم فيما أجابوا.
[٨] قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: ٨] يَعْنِي: يَوْمَ السُّؤَالِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَالْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ الْعَدْلُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: أَرَادَ بِهِ وَزْنَ الْأَعْمَالِ بالميزان، وذلك أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ مِيزَانًا لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ كُلُّ كِفَّةٍ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَزْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ. وَرُوِّينَا: «أَنَّ رَجُلًا يُنْشَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ فَيُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute