للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيَّ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَيْ فيما أَوْقَعْتَ فِي قَلْبِي مِنَ الْغَيِّ الَّذِي كَانَ سَبَبَ هُبُوطِي مِنَ السَّمَاءِ أَغْوَيْتَنِي: أَضْلَلْتَنِي عَنِ الْهُدَى. وَقِيلَ: أَهْلَكْتَنِي. وَقِيلَ: خَيَّبْتَنِي، {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: ١٦] أَيْ: لَأَجْلِسَنَّ لِبَنِي آدَمَ عَلَى طَرِيقِكِ الْقَوِيمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ.

[١٧] {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٧] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أَيْ مِنْ قِبَلِ الْآخِرَةِ فأشككهم فيها، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف: ١٧] أُرَغِّبُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} [الأعراف: ١٧] أُشْبِهُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ. {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: ١٧] أُشَهِّي لَهُمُ الْمَعَاصِي. وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: ١٧] مِنْ قِبَلِ دُنْيَاهُمْ، يَعْنِي أُزَيِّنُهَا في قلوبهم، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف: ١٧] مِنْ قِبَلِ الْآخِرَةِ فَأَقُولُ: لَا بَعْثَ وَلَا نُشُورَ وَلَا جَنَّةَ ولا نار، {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} [الأعراف: ١٧] مِنْ قِبَلِ حَسَنَاتِهِمْ، {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: ١٧] مِنْ قِبَلِ سَيِّئَاتِهِمْ. وَقَالَ الْحَكَمُ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: مِنْ قِبَلِ الدُّنْيَا يُزَيِّنُهَا لَهُمْ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ: مِنْ قِبَلِ الْآخِرَةِ يُثَبِّطُهُمْ عَنْهَا، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ: مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ: مِنْ قِبَلِ الْبَاطِلِ يُزَيِّنُهُ لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ: مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يُزَيِّنُهَا لَهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهَا، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ: مِنْ قِبَلِ حَسَنَاتِهِمْ بَطَّأَهُمْ عَنْهَا، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ: زَيَّنَ لَهُمُ السَّيِّئَاتِ وَالْمَعَاصِيَ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا، أَتَاكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِكَ مِنْ فَوْقِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ مِنْ حَيْثُ يُبْصِرُونَ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ وعن شمائلهم من حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ أَيْ لَا يُخْطِئُونَ وَحَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُخْطِئُونَ. {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٧] مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عَلِمَ الْخَبِيثُ ذَلِكَ؟ قِيلَ: قَالَهُ ظَنًّا فَأَصَابَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سَبَأٍ: ٢٠]

[١٨] {قَالَ} [الأعراف: ١٨] اللَّهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ، {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [الأعراف: ١٨] أَيْ: مَعِيبًا، وَالذَّيْمُ وَالذَّأْمُ أَشَدُّ الْعَيْبِ، يُقَالُ: ذَأَمَهُ يَذْأَمُهُ ذَأْمًا فَهُوَ مَذْءُومٌ وَذَامَهُ يَذِيمُهُ ذَامًّا فَهُوَ مَذِيمٌ، مِثْلَ سَارَ يَسِيرُ سَيْرًا. وَالْمَدْحُورُ: الْمُبْعَدُ الْمَطْرُودُ، يُقَالُ: يَدْحَرُهُ دَحْرًا إِذَا أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَذْءُومًا أَيْ مَمْقُوتًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَذْءُومًا مَدْحُورًا أَيْ: لَعِينًا مَنْفِيًّا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مذءوما ملوما مَدْحُورًا مَقْصِيًّا مِنَ الْجَنَّةِ وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ. {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} [الأعراف: ١٨] مِنْ بَنِي آدَمَ، {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [الأعراف: ١٨] اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، {مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: ١٨] أَيْ: مِنْكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَمِنْ كفار ذرية آدم أَجْمَعِينَ.

[١٩] {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ١٩]

[٢٠] {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف: ٢٠] أَيْ: إِلَيْهِمَا، وَالْوَسْوَسَةُ: حَدِيثٌ يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: ٢٠] أَيْ: أَظْهَرَ لَهُمَا مَا غُطِّيَ وَسُتِرَ عَنْهُمَا مِنْ عَوْرَاتِهِمَا، قِيلَ: اللَّامُ فِيهِ لَامُ الْعَاقِبَةِ وَذَلِكَ أن إبليس لم يوسوس لهذا وَلَكِنْ كَانَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ عَوْرَتِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [الْقَصَصِ: ٨] ثُمَّ بَيَّنَ الوسوسة فقال: {وَقَالَ} [الأعراف: ٢٠] يَعْنِي إِبْلِيسُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ، {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: ٢٠] يَعْنِي لِئَلَّا تَكُونَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْلَمَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: ٢٠] مِنَ الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠]

[٢١] {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: ٢١] أَيْ: وَأَقْسَمَ وَحَلَفَ لَهُمَا وَهَذَا مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ، قَالَ قَتَادَةُ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ حَتَّى خَدَعَهُمَا، وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ، فَقَالَ: إِنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>