جَمِيعِ جِلْدِهَا، قَالَ عَطَاءٌ: لَا عيب فيها، قال مُجَاهِدٌ: لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ، {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: ٧١] أَيْ: بِالْبَيَانِ التَّامِّ الشَّافِي الَّذِي لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوا بِكَمَالِ وَصْفِهَا إِلَّا مَعَ الْفَتَى فَاشْتَرَوْهَا بِمَلْءِ مَسْكها ذَهَبًا {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١] مِنْ غَلَاءِ ثَمَنِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: وَمَا كَادُوا يَجِدُونَهَا باجتماع أوصافها، وقيل: ما كَادُوا يفعلُونَ مِنْ شِدَّةِ اضْطِرَابِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيهَا.
[٧٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: ٧٢] هذا أول القصة، وإن كان مؤخرًا فِي التِّلَاوَةِ، وَاسْمُ الْقَتِيلِ عَامِيلُ، {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: ٧٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ فَاخْتَلَفْتُمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: تَدَافَعْتُمْ، أَيْ: يُحِيلُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ الدَّرْءِ: وَهُوَ الدَّفْعُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ عَنْ نفسه، {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ} [البقرة: ٧٢] أَيْ: مُظْهِرٌ: {مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: ٧٢] فَإِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ يَكْتُمُ الْقَتْلَ.
[٧٣] قوله عزّ وجلّ: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} [البقرة: ٧٣] يعني: القتيل، {بِبَعْضِهَا} [البقرة: ٧٣] أي: ببعض البقرة فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَقَامَ الْقَتِيلُ حَيًّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْدَاجُهُ، أَيْ: عُرُوقُ الْعُنُقِ تَشْخُبُ دَمًا، وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ سَقَطَ وَمَاتَ مكانه فحرم قاتله الميراث {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: ٧٣] كَمَّا أَحْيَا عَامِيلَ، {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٧٣] قِيلَ: تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي.
[٧٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٧٤] أي يَبِسَتْ وَجَفَّتْ، جَفَافُ الْقَلْبِ: خُرُوجُ الرَّحْمَةِ وَاللِّينُ عَنْهُ، وَقِيلَ: غَلُظَتْ، وَقِيلَ: اسْوَدَّتْ، {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: ٧٤] من بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلالات، قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قَلْبًا وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ منهم عند ذلك، أي {فَهِيَ} [البقرة: ٧٤] فِي الغِلْظَة وَالشِّدَّةِ: {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤] قيل: أو بمعنى الواو، كقوله: {مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّاتِ: ١٤٧] أي: بل يزيدون. وَإِنَّمَا لَمْ يُشَبِّهْهَا بِالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَابِلٌ لِلِّينِ، فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ، وَقَدْ لَان لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحِجَارَةُ لَا تَلِينَ قَطُّ، ثُمَّ فَضَّلَ الْحِجَارَةَ عَلَى الْقَلْبِ الْقَاسِي فَقَالَ: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: ٧٤] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهِ مُوسَى لِلْأَسْبَاطِ، {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} [البقرة: ٧٤] أَرَادَ بِهِ عُيُونًا دُونَ الْأَنْهَارِ، {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} [البقرة: ٧٤] يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أسفله {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤] وَقُلُوبُكُمْ لَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، فَإِنْ قِيلَ: الْحَجَرُ جَمَادٌ لَا يَفْهَمُ فَكَيْفَ يَخْشَى؟ قِيلَ: اللَّهُ يُفْهِمُهُ وَيُلْهِمُهُ فَيَخْشَى بِإِلْهَامِهِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، سِوَى العقلاء لا يقف عليه غير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute