الْأَمْوَالِ وَهُوَ الْفَضْلُ عَنِ العيال، وذلك معنى قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [الْبَقَرَةُ: ٢١٩] ثُمَّ نُسِخَتْ هَذِهِ بِالصَّدَقَاتِ المفروضات. وقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩] أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يَعْنِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا الله. {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ, نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ، وَقِيلَ: إِذَا تَسَفَّهَ عَلَيْكَ الجاهل فلا تتقابله بِالسَّفَهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الْفُرْقَانُ: ٦٣] وَذَلِكَ سَلَامُ الْمُتَارَكَةِ. قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَجْمَعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.
[٢٠٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف: ٢٠٠] أي: يصيبنك وَيَعْتَرِيكَ، وَيَعْرِضُ لَكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ نَخْسَةٌ. وَالنَّزْغُ مِنَ الشَّيْطَانِ الْوَسْوَسَةُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النَّزْغُ أَدْنَى حَرَكَةٍ تَكُونُ مِنَ الْآدَمِيِّ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ أَدْنَى وَسْوَسَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: ١٩٩] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ يَا رَبِّ وَالْغَضَبُ» ، فَنَزَلَ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: ٢٠٠] أَيِ: اسْتَجِرْ بِاللَّهِ {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ٢٠٠]
[٢٠١] {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [الأعراف: ٢٠١] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} [الأعراف: ٢٠١] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكِسَائِيُّ: (طَيْفٌ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ {طَائِفٌ} [الأعراف: ٢٠١] بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْمَيِّتِ وَالْمَائِتِ وَمَعْنَاهُمَا: الشَّيْءُ يُلِمُّ بِكَ. وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الطَّائِفُ مَا يَطُوفُ حَوْلَ الشَّيْءِ، وَالطَّيْفُ. اللَّمَّةُ وَالْوَسْوَسَةُ. وَقِيلَ: الطَّائِفُ مَا طَافَ بِهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَالطَّيْفُ اللَّمَمُ وَالْمَسُّ. {تَذَكَّرُوا} [الأعراف: ٢٠١] عَرَفُوا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. هُوَ الرَّجُلُ يَغْضَبُ الْغَضْبَةَ، فَيَذْكُرُ الله تعالى فيكظما الغيظ. وقال مجاهد: والرجل يَهِمُّ بِالذَّنْبِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَدَعُهُ. {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١] أَيْ: يُبَصِرُونَ مَوَاقِعَ خَطَايَاهُمْ بِالتَّذَكُّرِ والتفكر. وقال السُّدِّيُّ: إِذَا زَلُّوا تَابُوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْمُتَّقِي إِذَا أَصَابَهُ نَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرَ، وَعَرَفَ أنه معصية، فأبصر، فنزغ عن مخالفة الله.
[٢٠٢] قوله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ} [الأعراف: ٢٠٢] يَعْنِي إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَمُدُّونَهُمْ، أَيْ: يَمُدُّهُمُ الشَّيْطَانُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لِكُلِّ كَافِرٍ أَخٌ مِنَ الشياطين. {فِي الْغَيِّ} [الأعراف: ٢٠٢] أَيْ: يَطْلُبُونَ هُمُ الْإِغْوَاءَ حَتَّى يَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَزِيدُونَهُمْ فِي الضَّلَالَةِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: (يُمِدُّونَهُمْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْإِمْدَادِ وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، {ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠٢] أَيْ: لَا يَكُفُّونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا الْإِنْسُ يُقْصِرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا الشَّيَاطِينُ يُمْسِكُونَ عَنْهُمْ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠٢] مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ وَالشَّيَاطِينِ جَمِيعًا. قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ لَا يُقْصِرُونَ عَنِ الضَّلَالَةِ، وَلَا يُبْصِرُونَهَا، بِخِلَافِ مَا قَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ: {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١]
[٢٠٣] {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} [الأعراف: ٢٠٣] يَعْنِي. إِذَا لَمْ تَأْتِ الْمُشْرِكِينَ بآية، {قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} [الأعراف: ٢٠٣] هَلَّا افْتَعَلْتَهَا، وَأَنْشَأْتَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ وَاخْتِيَارِكَ؟ تَقُولُ الْعَرَبُ: اجْتَبَيْتُ الْكَلَامَ إِذَا اخْتَلَقْتُهُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ. كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَاتِ تَعَنُّتًا فَإِذَا تَأَخَّرَتِ اتَّهَمُوهُ وَقَالُوا، لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا؟ أَيْ: هَلَّا أَحْدَثْتَهَا، وأنشأتها من عندك؟ {قُلْ} [الأعراف: ٢٠٣] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} [الأعراف: ٢٠٣] ثم قال: {هَذَا} [الأعراف: ٢٠٣] يعني القرآن {بَصَائِرُ} [الأعراف: ٢٠٣] حُجَجٌ وَبَيَانٌ وَبُرْهَانٌ {مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: ٢٠٣] وَاحِدَتُهَا بَصِيرَةٌ، وَأَصْلُهَا ظُهُورُ الشَّيْءِ وَاسْتِحْكَامُهُ حَتَّى يُبْصِرَهُ الْإِنْسَانُ، فَيَهْتَدِي به يقول: هذا دَلَائِلُ تَقُودُكُمْ إِلَى الْحَقِّ. {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٢٠٣]
[٢٠٤] قوله عر وَجَلَّ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute