للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أبرح، وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ، أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ له فأما إذ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَإِنِّي لَا أُطْلِقُهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يحلني بيده، فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ ": يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَجْزِيكَ الثُّلُثُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» ، فَنَزَلَتْ فِيهِ {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال: ٢٧] {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧] أَيْ: وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧] أَنَّهَا أَمَانَةٌ. وَقِيلَ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَا فَعَلْتُمْ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَلْقِ خِيَانَةٌ. قَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا خَانُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ بِتَرْكِ فَرَائِضِهِ والرسول بترك سنته، وتخونوا أماناتكم. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ مِنْ فرائض الله، والأعمال التي ائتمت الله العباد عَلَيْهَا. قَالَ قَتَادَةُ: اعْلَمُوا أَنَّ دِينَ اللَّهِ أَمَانَةٌ، فَأَدُّوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ، وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا.

[٢٨] {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: ٢٨] قِيلَ: هَذَا أَيْضًا فِي أَبِي لُبَابَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَهُ وَأَوْلَادَهُ كَانُوا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ مَا قَالَ خَوْفًا عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هذا في جميع الناس {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٢٨] لمن نصح لله ولرسوله وأدى أمانته.

[٢٩] عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ} [الأنفال: ٢٩] بِطَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتَهُ، {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩] قَالَ مُجَاهِدٌ: مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: مَخْرَجًا فِي الدِّينِ مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَجَاةً أَيْ يُفَرِّقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا تَخَافُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ. بَيَانًا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يُظْهِرُ اللَّهُ بِهِ حَقَّكُمْ، وَيُطْفِئُ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ، وَالْفُرْقَانُ مَصْدَرٌ كَالرُّجْحَانِ والنقصان، {وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٩] يَمْحُ عَنْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: ٢٩]

[٣٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٣٠] هَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الْأَنْفَالِ: ٢٦] وَاذْكُرْ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كفروا {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ} [الأنفال: ٣٢] لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ وَهَذَا الْمَكْرُ وَالْقَوْلُ إِنَّمَا كَانَا بِمَكَّةَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذَكَّرَهُمْ بِالْمَدِينَةِ كَقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>