رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. كُلُّ مَالٍ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا وَكُلُّ مَالٍ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَإِنْ إن لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا. وَمِثْلُهُ عَنْ ابن عباس. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَنْزٌ، أَدَّيْتَ مِنْهُ الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ تُؤَدِّ، وَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ. وَقِيلَ: مَا فَضُلَ عَنِ الْحَاجَةِ فَهُوَ كنز والقول الأول أصح أن الْآيَةَ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ لَا فِي جَمْعِ الْمَالِ الْحَلَالِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» (١) ". قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] قيل: لم قال: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا) ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جَمِيعًا؟ قِيلَ: أَرَادَ الْكُنُوزَ وَأَعْيَانَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ لأنها أعم، كما قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [الْبَقَرَةِ: ٤٥] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤] أَيْ: أَنْذِرْهُمْ.
[٣٥] {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: ٣٥] أَيْ: تُدْخَلُ النَّارُ، فَيُوقَدُ عَلَيْهَا أي: على الكنوز، محالة {فَتُكْوَى بِهَا} [التوبة: ٣٥] فتحرق بها، {جِبَاهُهُمْ} [التوبة: ٣٥] أَيْ: تُدْخَلُ النَّارُ فَيُوقَدُ عَلَيْهَا أي: {وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: ٣٥] سئل أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لِمَ خَصَّ الْجِبَاهَ وَالْجَنُوبَ وَالظُّهُورَ بِالْكَيِّ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْغَنِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ إِذَا رأى الفقير قبض جبهته، وَزَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِكَشْحِهِ. قَوْلُهُ تعالى: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ} [التوبة: ٣٥] أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ، {لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: ٣٥] أَيْ: تَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ. هِيَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[٣٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: ٣٦] أَيْ: عَدَدَ الشُّهُورِ، {عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٦] وَهِيَ الْمُحَرَّمُ وَصَفْرٌ وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ وربيع الثَّانِي وَجُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ ورجب وشعبان ورمضان وَشَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وقوله: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٦] أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ. وَقِيلَ: في اللوح المحفوظ {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: ٣٦] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الشُّهُورُ الْهِلَالِيَّةُ، وَهِيَ الشُّهُورُ الَّتِي يَعْتَدُّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي صِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَسَائِرِ أمورهم, الشمسية تكون السنة ثلثمائة وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعَ يَوْمٍ, والهلالية تنقص عن ثلاث مائة وَسِتِّينَ يَوْمًا بِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ. وَالْغَالِبُ أنها تكون ثلاثمائة يوم وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا, {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: ٣٦] مِنَ الشُّهُورِ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وَهِيَ: رَجَبٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ, وَاحِدٌ فَرْدٌ وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التَّوْبَةِ: ٣٦] أَيِ: الْحِسَابُ الْمُسْتَقِيمُ, {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] قِيلَ: قَوْلُهُ: (فِيهِنَّ) يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ شُهُورِ السَّنَةِ, أَيْ: فَلَا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل المعصية، وَتَرْكِ الطَّاعَةِ. وَقِيلَ: (فِيهِنَّ) أَيْ: فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعْظَمُ أَجْرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالظُّلْمُ فِيهِنَّ أَعْظَمُ مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُنَّ, وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يُرِيدُ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ وَالْغَارَةَ فِيهِنَّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: لَا تَجْعَلُوا حَلَالَهَا حَرَامًا وَلَا حَرَامَهَا حَلَالًا كَفِعْلِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهُوَ النسيء, {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] جَمِيعًا عَامَّةً, {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٣٦] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ كَبِيرًا، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) كَأَنَّهُ يَقُولُ فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ. وَهُوَ قَوْلُ قتادة وعطاء الخراساني
(١) قال العلامة العجلوني في كتابة كشف الخفاء ج٢ ص ٤٢٤: "رواه أحمد وابن منيع عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute