للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّدِّيُّ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدَّ شَأْنُهَا عَلَى النَّاسِ فَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْزَلَ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} [التوبة: ٩١] الْآيَةَ. ثُمَّ نَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ:

[٤٢] {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} [التوبة: ٤٢] وَاسْمُ كَانَ مُضْمَرٌ، أَيْ: لَوْ كان ما تدعوهم إِلَيْهِ عَرَضًا قَرِيبًا، أَيْ: غَنِيمَةً قريبة المتناول، {وَسَفَرًا قَاصِدًا} [التوبة: ٤٢] أي: قريبا هنا، {لَاتَّبَعُوكَ} [التوبة: ٤٢] لَخَرَجُوا مَعَكَ، {وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} [التوبة: ٤٢] أَيِ: الْمَسَافَةُ، وَالشُّقَّةُ السَّفَرُ الْبَعِيدُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ. وَقِيلَ: الشُّقَّةُ الْغَايَةُ الَّتِي يَقْصِدُونَهَا، {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: ٤٢] يَعْنِي بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: ٤٢] في أيمانهم لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ.

[٤٣] {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: ٤٣] قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: اثْنَانِ فَعَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا: إِذْنُهُ لِلْمُنَافِقِينَ وَأَخْذُهُ الْفِدْيَةَ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ كَمَا تَسْمَعُونَ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا اللُّطْفِ بَدَأَ بِالْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّرَهُ بِالذَّنْبِ. قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَّرَهُ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ بِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِالدُّعَاءِ لَهُ، كَمَا يَقُولُ الرَّجْلُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ إِذَا كَانَ كَرِيمًا عِنْدَهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَاجَتِي، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَلَا زُرْتَنِي. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَدَامَ اللَّهُ لَكَ الْعَفْوَ.

{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] أَيْ: فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [التوبة: ٤٣] في أعذارهم، {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: ٤٣] فِيهَا أَيْ: تَعْلَمَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لَمْ يَكُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَئِذٍ.

[٤٤] {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: ٤٤] أَيْ: لَا يَسْتَأْذِنُكَ فِي التَّخَلُّفِ, {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤٤]

[٤٥] {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ٤٥] أَيْ: شَكَّتْ وَنَافَقَتْ، {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥] يتحيرون.

[٤٦] {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ} [التوبة: ٤٦] إلى الغزو، {لَأَعَدُّوا لَهُ} [التوبة: ٤٦] أي: {عُدَّةً} [التوبة: ٤٦] أُهْبَةً وَقُوَّةً مِنَ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: ٤٦] خروجهم، {فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: ٤٦] مَنَعَهُمْ وَحَبَسَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ، {وَقِيلَ اقْعُدُوا} [التوبة: ٤٦] في بيوتكم، {مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦] يَعْنِي: مَعَ الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى. وَقِيلَ: مع النسوان والصبيان. وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْعُدُوا. وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَى قُلُوبِهِمْ وَأُلْهِمُوا أَسْبَابَ الْخُذْلَانِ.

[٤٧] {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة: ٤٧] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنْيَةِ الْوَدَاعِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>