الْكَلْبِيُّ: هِيَ إِمْهَالُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُهْلِكُهُمْ بِالْعَذَابِ فِي الدنيا، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [يونس: ١٩] بنزول العذاب تعجيل الْعُقُوبَةِ لِلْمُكَذِّبِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ فَصْلًا بينهم، {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: ١٩] وَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ مَضَتْ فِي حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ فِيمَا اختلفوا بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ الْقِيَامَةِ، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنَ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرَ النَّارَ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ الْأَجَلُ فَجَعَلَ مَوْعِدَهُمْ يوم القيامة.
[٢٠] {وَيَقُولُونَ} [يونس: ٢٠] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} [يونس: ٢٠] أَيْ: عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [يونس: ٢٠] عَلَى مَا نَقْتَرِحُهُ, {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} [يونس: ٢٠] يَعْنِي: قُلْ إِنَّمَا سَأَلْتُمُونِي الْغَيْبَ وَإِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ، لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ لِمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، وَقِيلَ: الْغَيْبُ نُزُولُ الْآيَةِ لَا يَعْلَمُ مَتَى يَنْزِلُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، {فَانْتَظِرُوا} [يونس: ٢٠] نُزُولَهَا {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: ٢٠] وَقِيلَ: فَانْتَظِرُوا قَضَاءَ اللَّهِ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ بِإِظْهَارِ الْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ.
[٢١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ} [يونس: ٢١] يَعْنِي: الْكُفَّارَ، رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ، أَيْ: رَاحَةً وَرَخَاءً مِنْ بَعْدِ شِدَّةٍ وَبَلَاءٍ، وَقِيلَ: الْقَطْرُ بعد القحط، أي: أصابتهم، {مَسَّتْهُمْ} [يونس: ٢١] أَيْ: أَصَابَتْهُمْ, {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} [يونس: ٢١] قَالَ مُجَاهِدٌ: تَكْذِيبٌ وَاسْتِهْزَاءٌ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَا يَقُولُونَ هَذَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِنَّمَا يَقُولُونَ سُقِينَا بِنَوْءِ كَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الْوَاقِعَةِ: ٨٢] {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} [يونس: ٢١] أَعْجَلُ عُقُوبَةً وَأَشَدُّ أَخْذًا وَأَقْدَرُ عَلَى الْجَزَاءِ، يُرِيدُ عَذَابُهُ فِي إِهْلَاكِكُمْ أَسْرَعُ إِلَيْكُمْ مِمَّا يَأْتِي مِنْكُمْ فِي دَفْعِ الْحَقِّ، {إِنَّ رُسُلَنَا} [يونس: ٢١] حفظتنا، {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: ٢١] قرأ روح عن يَعْقُوبُ: (يَمْكُرُونَ) بِالْيَاءِ.
[٢٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} [يونس: ٢٢] يجزيكم ويحملكم، وقرأ جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ: (يُنْشِرُكُمْ) .
بِالنُّونِ وَالشِّينِ مِنَ النَّشْرِ وَهُوَ الْبَسْطُ والبث، {فِي الْبَرِّ} [يونس: ٢٢] على ظهور الدواب، (وَ) في (الْبَحْرِ) ، عَلَى الْفُلْكِ، {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} [يونس: ٢٢] أَيْ: فِي السُّفُنِ، تَكُونُ وَاحِدًا وجمعا، {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] يَعْنِي: جَرَتِ السُّفُنُ بِالنَّاسِ، رَجَعَ من الخطاب إلى الغيبة، {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢] لينة, {وَفَرِحُوا بِهَا} [يونس: ٢٢] أي: بالريح، {جَاءَتْهَا رِيحٌ} [يونس: ٢٢] أَيْ: جَاءَتِ الْفُلْكَ رِيحٌ، {عَاصِفٌ} [يونس: ٢٢] شَدِيدَةُ الْهُبُوبِ، وَلَمْ يَقُلْ رِيحٌ عَاصِفَةٌ، لِاخْتِصَاصِ الرِّيحِ بِالْعُصُوفِ، وَقِيلَ: الريح يذكر ويؤنث، {وَجَاءَهُمُ} [يونس: ٢٢] يعني: ركبان السفينة، {الْمَوْجُ} [يونس: ٢٢] وَهُوَ حَرَكَةُ الْمَاءِ وَاخْتِلَاطُهُ، {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا} [يونس: ٢٢] أيقنوا {أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] دَنَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ، أَيْ: أَحَاطَ بِهِمُ الْهَلَاكُ، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس: ٢٢] أَيْ: أَخْلَصُوا فِي الدُّعَاءِ لِلَّهِ، وَلَمْ يَدْعُوا أَحَدًا سِوَى اللَّهِ، وقالوا: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} [يونس: ٢٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute