فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَوْا دَلِيلَ الْعَذَابِ؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوُا الْعَذَابَ عَيَانًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: ٩٨] وَالْكَشْفُ يَكُونُ بَعْدَ الْوُقُوعِ أَوْ إذا قرب أو سيأتي مثل ذلك في سورة الصافات آية (١٤٨) .
[٩٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} [يونس: ٩٩] يَا مُحَمَّدُ، {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ سبق له السَّعَادَةُ، وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سبق له من الله الشقاوة.
[١٠٠] {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} [يونس: ١٠٠] وَمَا يَنْبَغِي لِنَفْسٍ، وَقِيلَ: مَا كَانَتْ نَفْسٌ، {أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: ١٠٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقِيلَ: بعلم الله. {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} [يونس: ١٠٠] قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: (وَنَجْعَلُ) بِالنُّونِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: وَيَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ أَيِ: الْعَذَابَ وَهُوَ الرِّجْزُ، {عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يُونُسَ: ١٠٠] عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
[١٠١] {قُلِ انْظُرُوا} [يونس: ١٠١] أَيْ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ الْآيَاتِ: انْظُرُوا، {مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: ١٠١] مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ وَالْعِبَرِ، فَفِي السموات الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَغَيْرُهَا، وَفِي الْأَرْضِ الْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْأَنْهَارُ وَالْأَشْجَارُ وَغَيْرُهَا، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ} [يونس: ١٠١] الرُّسُلُ، {عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١] وَهَذَا فِي قَوْمٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
[١٠٢] {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ} [يونس: ١٠٢] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ، {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} [يونس: ١٠٢] مضوا، {مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس: ١٠٢] مِنْ مُكَذِّبِي الْأُمَمِ، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي وَقَائِعَ اللَّهِ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّى العذاب أيامًا والنعم أَيَّامًا، كَقَوْلِهِ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيمَ: ٥] وَكُلُّ مَا مَضَى عَلَيْكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَهُوَ أَيَّامٌ، {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: ١٠٢]
[١٠٣] {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} [يونس: ١٠٣] قَرَأَ يَعْقُوبُ (نُنْجِي) خَفِيفٌ مُخْتَلِفٌ عنه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} [يونس: ١٠٣] مَعَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، مَعْنَاهُ: نَجَّيْنَا مُسْتَقْبَلٌ بِمَعْنَى الْمَاضِي، {كَذَلِكَ} [يونس: ١٠٣] كما نجيناهم {حَقًّا} [يونس: ١٠٣] واجبًا، {عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ١٠٣] قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ (نُنْجِي) بالتخفيف والآخرون بالتشديد، ونجا وَأَنْجَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
[١٠٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} [يونس: ١٠٤] الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ} [يونس: ١٠٤] وَهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كَانَ فِيهِمْ شَاكُّونَ فَهُمُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ, أَوْ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْآيَاتِ اضْطَرَبُوا وَشَكُّوا فِي أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: ١٠٤] مِنَ الْأَوْثَانِ، {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [يونس: ١٠٤] يُمِيتُكُمْ وَيَقْبِضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute