للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحده. {فَاعْلَمُوا} [هود: ١٤] قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: مَعَ الْمُشْرِكِينَ، {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: ١٤] يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: أَنْزَلَهُ، وَفِيهِ عِلْمُهُ، {وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [هود: ١٤] أَيْ: فَاعْلَمُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: ١٤] لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أَيْ: أَسْلِمُوا.

[١٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [هود: ١٥] أَيْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الحياة الدنيا {وَزِينَتَهَا} [هود: ١٥] نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود: ١٥] أَيْ: نُوفِّ لَهُمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا. {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: ١٥] أَيْ: فِي الدُّنْيَا لَا يُنْقَصُ حَظُّهُمْ.

[١٦] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} [هود: ١٦] أي: في الدنيا، {وَبَاطِلٌ} [هود: ١٦] ماحق، {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٦] اختلفوا في المعنى بهذه الآية، فقال مجاهد: أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: "الرياء» (١) .

وقيل: هَذَا فِي الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَإِرَادَتُهُ الْآخِرَةَ غَالِبَةٌ فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ويثاب عليها في الآخرة.

[١٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ} [هود: ١٧] بيان، {مِنْ رَبِّهِ} [هود: ١٧] قِيلَ: فِي الْآيَةِ حَذَفٌ وَمَعْنَاهُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، أَوْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود: ١٧] أي: يتبعه من يشهد له بِصِدْقِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ لِسَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ وَيُسَدِّدُهُ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ الْقُرْآنُ وَنَظْمُهُ وَإِعْجَازُهُ، وَقِيلَ: شَاهِدٌ مِنْهُ هُوَ الْإِنْجِيلُ. {وَمِنْ قَبْلِهِ} [هود: ١٧] أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ. {كِتَابُ مُوسَى} [هود: ١٧] أَيْ: كَانَ كِتَابُ مُوسَى، {إِمَامًا وَرَحْمَةً} [هود: ١٧] لِمَنِ اتَّبَعَهَا، يَعْنِي التَّوْرَاةَ، وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لِلْقُرْآنِ شَاهِدَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [هود: ١٧] يَعْنِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: أَرَادَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ} [هود: ١٧] أَيْ: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ، {مِنَ الْأَحْزَابِ} [هود: ١٧] من الكفار أهل


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ج٥ / ٤٢٨، ٤٢٩. وفي رواية عند الترمذي في كتاب النذور / ٩ / وابن ماجه في الفتن / ١٦ / بلفظ: "الرياء شرك". ورواه المصنف في شرح السنة ١٤ / ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>