قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: عَلَيْهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ عَلَى هَيْئَةِ الْجَزْعِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ مَخْتُومَةً عَلَيْهَا أَمْثَالُ الْخَوَاتِيمِ، وَقِيلَ: مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَنْ رُمِيَ بِهِ. {عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ} [هود: ٨٣] يَعْنِي: تِلْكَ الْحِجَارَةَ، {مِنَ الظَّالِمِينَ} [هود: ٨٣] أَيْ: مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، {بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٣] وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: يَعْنِي ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاللَّهِ مَا أَجَارَ الله منهما ظَالِمًا بَعْدُ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: "مَا مِنْ ظَالِمٍ إِلَّا وَهُوَ بِعُرْضِ حَجَرٍ يُسْقَطُ عَلَيْهِ مِنْ ساعة إلى ساعة".
[٨٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِلَى مَدْيَنَ} [هود: ٨٤] أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى وَلَدِ مَدْيَنَ، {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: ٨٤] أَيْ لَا تَبْخَسُوا، وَهُمْ كَانُوا يُطَفِّفُونَ مَعَ شِرْكِهِمْ، {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} [هود: ٨٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُوسِرِينَ فِي نِعْمَةٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي خِصْبٍ وَسَعَةٍ، فَحَذَّرَهُمْ زَوَالَ النِّعْمَةِ وَغَلَاءَ السِّعْرِ وَحُلُولَ النِّقْمَةِ، إِنْ لَمْ يتوبوا. {وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: ٨٤] يُحِيطُ بِكُمْ فَيُهْلِكُكُمْ.
[٨٥] {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: ٨٥] أتموهما، {بِالْقِسْطِ} [هود: ٨٥] بِالْعَدْلِ، وَقِيلَ: بِتَقْوِيمِ لِسَانِ الْمِيزَانِ، {وَلَا تَبْخَسُوا} [هود: ٨٥] لَا تَنْقُصُوا؛ {النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: ٨٥]
[٨٦] {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [هود: ٨٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي مَا أَبْقَى اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ بَعْدَ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ خَيْرٌ مِمَّا تَأْخُذُونَهُ بالتطفيف، وقال مجاهد: بقيت اللَّهِ أَيْ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لكم إن كنتم مؤمنين أن مَا عِنْدَكُمْ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَعَطَائِهِ. {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: ٨٦] بِوَكِيلٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ.
[٨٧] {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: ٨٧] مِنَ الْأَوْثَانِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرَ الصَّلَاةِ، لِذَلِكَ قَالُوا هَذَا، وَقَالَ الْأَعْمَشُ: يَعْنِي أَقِرَاءَتُكَ.
{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: ٨٧] أو أن نترك أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نشاء من الزيادة والنقصان. {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: ٨٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَرَادُوا السَّفِيهَ الْغَاوِيَ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ الشَّيْءَ بِضِدِّهِ فَتَقُولُ: لِلَّدِيغِ سليم وللفلاة مفازة، وقيل: قالوه عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ بِزَعْمِكَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الصِّحَّةِ أَيْ: إِنَّكَ يَا شُعَيْبُ فِيْنَا حَلِيمٌ رَشِيدٌ لَا يَجْمُلُ بِكَ شَقُّ عَصَا قَوْمِكَ ومخالفة دينهم، وهذا كَمَا قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} [هُودٍ: ٦٢]
[٨٨] {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ} [هود: ٨٨] بَصِيرَةٍ وَبَيَانٍ، {مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} [هود: ٨٨] حَلَالًا، وَقِيلَ: كَثِيرًا، وَكَانَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرَ الْمَالِ، وَقِيلَ: الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْعِلْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute