[٧٤] {قَالُوا} [يوسف: ٧٤] يَعْنِي: الْمُنَادِيَ وَأَصْحَابَهُ {فَمَا جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٤] يعني: ما جَزَاءُ السَّارِقِ، {إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يوسف: ٧٤] فِي قَوْلِكُمْ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ.
[٧٥] {قَالُوا} [يوسف: ٧٥] يَعْنِي: إِخْوَةَ يُوسُفَ، {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٥] أَيْ: فَالسَّارِقُ جَزَاؤُهُ أَنْ يُسَلَّمَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيَسْتَرِقَّهُ سَنة، وَكَانَ ذَلِكَ سُنّة آلِ يَعْقُوبَ فِي حُكْمِ السَّارِقِ، وَكَانَ حُكْمُ مَلِكِ مِصْرَ أَنْ يُضْرَبَ السَّارِقُ وَيُغَرَّمَ ضِعْفَيْ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ، فَأَرَادَ يُوسُفُ أَنْ يَحْبِسَ أَخَاهُ عِنْدَهُ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَيْهِمْ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ حَبْسِهِ عِنْدَهُ عَلَى حكمهم. {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يوسف: ٧٥] الْفَاعِلِينِ مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهُ مِنْ سَرِقَةِ مَالِ الْغَيْرِ، فَقَالَ الرَّسُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا بُدَّ مِنْ تَفْتِيشِ أَمْتِعَتِكُمْ، فَأَخَذَ فِي تَفْتِيشِهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى يُوسُفَ فَأَمَرَ بِتَفْتِيشِ أَوْعِيَتِهِمْ بَيْنَ يديه.
[٧٦] {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ} [يوسف: ٧٦] لِإِزَالَةِ التُّهْمَةِ، {قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف: ٧٦] فَكَانَ يُفَتِّشُ أَوْعِيَتَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف: ٧٦] إنما أنّث الكناية في قوله اسْتَخْرَجَهَا، وَالصُّوَاعُ مُذَكَّرٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: ٧٢] لأنه رد الكناية هاهنا إِلَى السِّقَايَةِ. وَقِيلَ: الصُّوَاعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَلَمَّا أَخْرَجَ الصُّوَاعَ مِنْ رَحْلِ بِنْيَامِينَ نَكَّسَ إِخْوَتُهُ رُءُوسَهُمْ مِنَ الْحَيَاءِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى بِنْيَامِينَ وَقَالُوا: مَا الَّذِي صَنَعْتَ فَضَحْتَنَا وَسَوَّدَتْ وُجُوهَنَا يَا بَنِي رَاحِيلَ؟ مَا يَزَالُ لَنَا مِنْكُمُ الْبَلَاءُ مَتَى أَخَذْتَ هَذَا الصُّوَاعَ، فَقَالَ بِنْيَامِينُ: بَلْ بَنُو رَاحِيلَ لَا يَزَالُ لَهُمْ مِنْكُمْ بَلَاءٌ ذَهَبْتُمْ بأخي فأهلكتموه في البرية، والله قد وَضع هَذَا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِي الَّذِي وَضَعَ الْبِضَاعَةَ فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخَذُوا بنيامين رقيقًا، {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: ٧٦] والكيد هاهنا جَزَاءُ الْكَيْدِ، يَعْنِي: كَمَا فَعَلُوا فِي الِابْتِدَاءِ بِيُوسُفَ مِنَ الْكَيْدِ فَعَلْنَا بِهِمْ. وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُوسُفَ: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: ٥] فَكِدْنَا لِيُوسُفَ فِي أَمْرِهِمْ. وَالْكَيْدُ مِنَ الْخُلُقِ: الْحِيلَةُ، وَمِنَ اللَّهِ: التَّدْبِيرُ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: كِدْنَا: أَلْهَمْنَا. وقيل: دبرنا. وقل: أَرَدْنَا. وَمَعْنَاهُ: صَنَعْنَا لِيُوسُفَ حَتَّى ضَمَّ أَخَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَتِهِ. {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} [يوسف: ٧٦] فَيَضُمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، {فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧٦] أَيْ: فِي حُكْمِهِ. قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي سُلْطَانِهِ. {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: ٧٦] يَعْنِي: إِنَّ يُوسُفَ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَبْسِ أَخِيهِ فِي حُكْمِ الْمَلِكِ لَوْلَا مَا كِدْنَا لَهُ بِلُطْفِنَا حَتَّى وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا أَجْرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْإِخْوَةِ أَنَّ جَزَاءَ السَّارِقِ الِاسْتِرْقَاقُ، فَحَصَلَ مُرَادُ يُوسُفَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٧٦] بِالْعِلْمِ كَمَا رَفَعْنَا دَرَجَةَ يُوسُفَ عَلَى إِخْوَتِهِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ (يَرْفَعُ) وَ (يَشَاءُ) بِالْيَاءِ فِيهِمَا، وَإِضَافَةُ دَرَجَاتٍ إِلَى (مَنْ) فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْفِعْلَ فِيهِمَا مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أَيْ: يَرْفَعُ اللَّهُ دَرَجَاتِ مِنْ يَشَاءُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ فِيهِمَا، إِلَّا أَنَّ الْكُوفِيِّينَ قَرَءُوا: (دَرَجَاتٍ) بِالتَّنْوِينِ، وَمَنْ سِوَاهُمْ بِالْإِضَافَةِ، أَيْ: نَرْفَعُ بِهِ نحن، والواقع أَيْضًا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوْقَ كُلِّ عَالَمٍ عَالَمٌ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ العلم إلى الله تعالى، فإن الله تَعَالَى فَوْقَ كُلِّ عَالَمٍ.
[٧٧] {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٧٧] يُرِيدُونَ أخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ يعنون به يُوسُفَ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّرِقَةِ الَّتِي وصفوا بها يوسف، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: كَانَ لِجَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ صَنَمٌ يَعْبُدُهُ فَأَخَذَهُ سِرًّا أَوْ كَسَرَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ لِئَلَّا يُعْبَدَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ يُوسُفَ جَاءَهُ سَائِلٌ يَوْمًا فَأَخَذَ بَيْضَةً مِنَ البيت فناولها السائل. وقال سفيان ابن عُيَيْنَةَ: أَخَذَ دَجَاجَةً مِنَ الطَّيْرِ الَّتِي كَانَتْ فِي بَيْتِ يَعْقُوبَ فَأَعْطَاهَا سَائِلًا. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ يخبأ الطعام من المائدة للفقراء، {فَأَسَرَّهَا} [يوسف: ٧٧] أَضْمَرَهَا {يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} [يوسف: ٧٧] وإنما
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute