الْكَذَّابَ، اكْتُبْ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد: ٣٠] وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَسَبَبُ نُزُولِهَا: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْحِجْرِ يَدْعُو: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ، فَرَجَعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إليهن يَدْعُو اللَّهَ وَيَدْعُو إِلَهًا آخَرَ يُسَمَّى الرَّحْمَنَ، وَلَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاءُ: ١١٠] وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسجدوا لله لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ؟ قَالَ الله تعالى. {قُلْ} [إبراهيم: ٣٠] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الرَّحْمَنَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مَعْرِفَتَهُ {هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [الرعد: ٣٠] اعتمدت {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: ٣٠] أي: توبتي ومرجعي.
[٣١] قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد: ٣١] فَأُذْهِبَتْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ, {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} [الرعد: ٣١] أَيْ: شُقِّقَتْ فَجُعِلَتْ أَنْهَارًا وَعُيُونًا {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: ٣١] {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٣١] أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يفعل، {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد: ٣١] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ أَفَلَمْ يَعْلَمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ لُغَةُ النخع. وقيل: هي لُغَةُ هَوَازِنَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا) ، وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: يَئِسْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ، وَلَكِنْ مَعْنَى الْعِلْمِ فِيهِ مُضْمَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سَمِعُوا هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ طَمِعُوا فِي أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ مَا سَأَلُوا فيؤمنوا فنزل: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد: ٣١] يَعْنِي: الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ أَيْ لم ييأسوا عِلْمًا وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا يَئِسَ مِنْ خِلَافِهِ, يَقُولُ: أَلَمْ يُيَئِّسْهُمُ الْعِلْمُ, {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} [الرعد: ٣١] مِنْ كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ {قَارِعَةٌ} [الرعد: ٣١] أَيْ: نَازِلَةٌ وَدَاهِيَةٌ تَقْرَعُهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ أَحْيَانًا بِالْجَدْبِ وَأَحْيَانًا بالسلب وأحيانا بالقتل والأسر {أَوْ تَحُلُّ} [الرعد: ٣١] يعني: القارعة، {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} [الرعد: ٣١] وَقِيلَ: أَوْ تَحُلُّ أَيْ تَنْزِلُ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِنَفْسِكَ قَرِيبًا مِنْ دِيَارِهِمْ، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} [الرعد: ٣١] قِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ وَظُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: ٣١] وَكَانَ الْكُفَّارُ يَسْأَلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
[٣٢] {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} [الرعد: ٣٢] كَمَا اسْتَهْزَءُوا بِكَ، {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الرعد: ٣٢] أَمْهَلْتُهُمْ وَأَطَلْتُ لَهُمُ الْمُدَّةَ وَمِنْهُ الْمَلَوَانِ وَهُمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} [الرعد: ٣٢] عَاقَبْتُهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute