شَعْرٍ وَتَرَكَهَا تَرْعَى لَهُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فِي الْبَادِيَةِ وَإِذَا أَرَادَ أن يقتلها تركها حتى صَارَتْ سُدَاسِيَّةً قَالَ: لِأُمِّهَا زَيِّنِيهَا حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا إِلَى أَحْمَائِهَا، وَقَدْ حَفَرَ لَهَا بِئْرًا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِذَا بَلَغَ بِهَا الْبِئْرَ قَالَ لَهَا: انْظُرِي إِلَى هَذِهِ الْبِئْرِ، فَيَدْفَعُهَا مِنْ خَلْفِهَا فِي الْبِئْرِ ثُمَّ يُهِيلُ عَلَى رَأْسِهَا التُّرَابَ حَتَّى يَسْتَوِيَ الْبِئْرُ بِالْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: ٥٩] بِئْسَ مَا يَقْضُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ وَلِأَنْفُسِهِمُ الْبَنِينَ، نَظِيرُهُ: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النَّجْمِ: ٢١ - ٢٢] وَقِيلَ: بِئْسَ حُكْمُهُمْ وَأْدُ الْبَنَاتِ.
[٦٠] {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [النحل: ٦٠] يَعْنِي: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصِفُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ وَلِأَنْفُسِهِمُ الْبَنِينَ {مَثَلُ السَّوْءِ} [النحل: ٦٠] صِفَةُ السُّوءِ مِنَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْوَلَدِ وَكَرَاهِيَةِ الْإِنَاثِ وَقَتْلِهِنَّ خَوْفَ الفقر، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠] الصِّفَةُ الْعُلْيَا وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. وَقِيلَ: جَمِيعُ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْبَقَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَثَلُ السوء النار والمثل الْأَعْلَى شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: ٦٠]
[٦١] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} [النحل: ٦١] فَيُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ، {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا} [النحل: ٦١] أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ، كِنَايَةٌ عَنْ غير مذكور، {مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: ٦١] قَالَ قَتَادَةُ فِي الْآيَةِ: قَدْ فعل الله ذلك من زَمَنِ نُوحٍ فَأَهْلَكَ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي سفينة نوح عليه السلام. وقيل: إن مَعْنَى الْآيَةِ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ آبَاءَ الظَّالِمِينَ بِظُلْمِهِمُ انْقَطَعَ النَّسْلُ وَلَمْ تُوجَدِ الْأَبْنَاءُ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ. {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: ٦١] يُمْهِلُهُمْ بِحِلْمِهِ إِلَى أَجَلٍ، {مُسَمًّى} [النحل: ٦١] إِلَى مُنْتَهَى آجَالِهِمْ وَانْقِطَاعِ أَعْمَارِهِمْ.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: ٦١]
[٦٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: ٦٢] لأنفسهم يعني البنات، {وَتَصِفُ} [النحل: ٦٢] أَيْ: تَقُولُ: {أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} [النحل: ٦٢] يَعْنِي الْبَنِينَ مَحَلُّ (أَنَّ) نَصْبٌ بَدَلٌ عَنِ الْكَذِبِ, قَالَ يَمَانِ: يعني بالحسنى: الجنة في المعاد يقولون نحن في الجنة إن كان محمد صادقا بالوعد في البعث. {لَا جَرَمَ} [النحل: ٦٢] حَقًّا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى, {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} [النحل: ٦٢] في الآخرة, {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: ٦٢] قرأ نافع بكسر الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ: مُضَيِّعُونَ أَمْرَ اللَّهِ, وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ: مَنْسِيُّونَ فِي النَّارِ, قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُبْعَدُونَ, وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَتْرُوكُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: مُعَجَّلُونَ إِلَى النار. قال الفراء: مقدمون على النَّارِ, وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحوض» (١) أي: متقدمكم.
(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الرقاق ١١ / ٤٦٣ ومسلم في الطهارة رقم (٢٤٩) ١ / ٢١٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute