كَانَتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَيُقَالُ: كَانَ فِي رَجَبٍ. وقيل: كان في رمضان. {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: ١] يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَسُمِّيَ أَقْصَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُزَارُ. وَقِيلَ: لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: ١] بِالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَمَّاهُ مُبَارَكًا لِأَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ ومهبط الملائكة والوحي، وفيه الصخرة وَمِنْهُ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: ١] مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِنَا، وَقَدْ رَأَى هُنَاكَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْآيَاتِ الْكُبْرَى، {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: ١] ذَكَرَ السَّمِيعَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ الْمُجِيبُ لِدُعَائِهِ، وَذَكَرَ الْبَصِيرَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ الْحَافِظُ لَهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «مَا فُقِدَ جَسَدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ» . وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ.
[٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا} [الإسراء: ٢] بألا، {تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: ٢] ربا كفيلا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: (لَا يَتَّخِذُوا) بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يَعْنِي قُلْنَا لَهُمْ لَا تتخذوا.
[٣] {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا} [الإسراء: ٣] قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا نِدَاءٌ يَعْنِي: يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا، {مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: ٣] فِي السَّفِينَةِ فَأَنْجَيْنَاهُمْ مِنَ الطُّوفَانِ، {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣] كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا أَوْ شَرِبَ شَرَابًا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَسُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا، أَيْ: كَثِيرَ الشُّكْرِ.
[٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: ٤] أَيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ وَأَخْبَرْنَاهُمْ فِيمَا آتَيْنَاهُمْ من الكتاب أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ، وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ: يَكُونُ أَمْرًا كَقَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] وَيَكُونُ حُكْمًا كَقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [يونس: ٩٣] وَيَكُونُ خَلْقًا: كَقَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فُصِّلَتْ: ١٢] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة: يعني وقضينا عليهم، فإلى بِمَعْنَى عَلَى، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ المحفوظ، {لَتُفْسِدُنَّ} [الإسراء: ٤] لَامُ الْقَسَمِ مَجَازُهُ: وَاللَّهِ لَتُفْسِدُنَّ، {فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: ٤] بِالْمَعَاصِي، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضُ الشَّامِ وبيت المقدس، {وَلَتَعْلُنَّ} [الإسراء: ٤] وَلَتَسْتَكْبِرُنَّ وَلَتَظْلِمُنَّ النَّاسَ، {عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: ٤]
[٥] {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} [الإسراء: ٥] يعني أولى مرتين، قَالَ قَتَادَةُ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَا خَالَفُوا مِنْ أَحْكَامِ التوراة وركبوا المحارم. وقال محمد بن إِسْحَاقَ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى: قتل شعياء وَارْتِكَابُهُمُ الْمَعَاصِيَ. {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء: ٥] قال قتادة: يعني جالوت الخزري وَجُنُودَهُ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ دَاوُدُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي سَنْجَارِيبَ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُخْتُنَصَّرُ الْبَابِلِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وهو الأظهر. {أُولِي} [الإسراء: ٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute