للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَسْرُوقٍ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ جريج والأكثرون (١) وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي رُؤْيَةً وَرُؤْيَا، فَلَمَّا ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ أنكر بعضهم ذلك، وكذبوا وكان فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ دُونَ بَدَنِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كان له معراجان رُؤْيَةٍ بِالْعَيْنِ وَمِعْرَاجُ رُؤْيَا بِالْقَلْبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا مَا رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مكة هو وأصحابه فجعل السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ رُجُوعُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بعد ما أخبر أنه يدخلها فكان رجوعه فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ، حَتَّى دَخَلَهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْحِ: ٢٧] {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: ٦٠] يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، مَجَازُهُ وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ كَرِيهٍ: طَعَامٌ مَلْعُونٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمَلْعُونُ آكِلُهَا، وَنُصِبَ الشَّجَرَةُ عَطْفًا عَلَى الرُّؤْيَا، أَيْ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، فَكَانَتِ الْفِتْنَةُ فِي الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْنَا، وَالْفِتْنَةُ فِي الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهَا شَجَرَةٌ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبَعْرَى قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنَا بِالزَّقُّومِ وَلَا نَعْرِفُ الزَّقُّومَ إِلَّا الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا جَارِيَةُ تَعَالِي فَزَقِّمِينَا فَأَتَتْ بِالتَّمْرِ وَالزُّبْدِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ تَزَقَّمُوا فَإِنَّ هَذَا مَا يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَوَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ. وَقِيلَ: الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ هِيَ الَّتِي تَلْتَوِي على الشجر فتخنقه، يَعْنِي الْكَشُوثَ، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ} [الإسراء: ٦٠] التخويف، {إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: ٦٠] أي: تمردا وعتوا عظيما.

[٦١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: ٦١] أي: خلقته من طين.

[٦٢] {قَالَ} [الإسراء: ٦٢] يعني إبليس، {أَرَأَيْتَكَ} [الإسراء: ٦٢] أَيْ أَخْبِرْنِي وَالْكَافُ لِتَأْكِيدِ الْمُخَاطَبَةِ، {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: ٦٢] أي: فضلته علي: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِي} [الإسراء: ٦٢] أَمْهَلْتَنِي {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: ٦٢] أَيْ: لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِضْلَالِ، يُقَالُ: احْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا أَكَلَهُ كُلَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حنك الدابة يحنك إِذَا شَدَّ فِي حَنَكِهَا الْأَسْفَلِ حَبْلًا يَقُودُهَا، أَيْ لَأَقُودَنَّهُمْ كَيْفَ شِئْتُ. وَقِيلَ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْوَاءِ، {إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٦٢] يَعْنِي الْمَعْصُومِينَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: ٦٥]

[٦٣] {قَالَ} [الإسراء: ٦٣] اللَّهُ {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ} [الإسراء: ٦٣]


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة الإسراء ٨ / ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>