وَالْكَافِرِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَقَدْ لَعَنَ نفسه.
[١٦٢] {خَالِدِينَ فِيهَا} [البقرة: ١٦٢] مُقِيمِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَقِيلَ: فِي النَّارِ، {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} [البقرة: ١٦٢] لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَجَّلُونَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُنْظَرُونَ فَيَعْتَذِرُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [الْمُرْسَلَاتِ: ٣٦]
[١٦٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ١٦٣] سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ وَانْسُبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ، وَالْوَاحِدُ: الَّذِي لَا نَظِيرَ له ولا شريك له، قَالَ أَبُو الضُّحَى: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
[١٦٤] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١٦٤] ذَكَرَ السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْأَرْضَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ سَمَاءٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، وَالْأَرْضُونَ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التُّرَابُ، فَالْآيَةُ فِي السَّمَاوَاتِ: سُمْكُهَا وَارْتِفَاعُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ وَلَا عِلَاقَةٍ، وما يرى فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَالْآيَةُ فِي الْأَرْضِ: مَدُّهَا وَبَسْطُهَا وسعتها وما يرى فِيهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْجَوَاهِرِ وَالنَّبَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: ١٦٤] أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، إِذَا ذَهَبَ أحدهما جاء الآخر أَيْ: بَعْدَهُ، نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الْفُرْقَانِ: ٦٢] قَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ اخْتِلَافَهُمَا فِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّيْلُ جَمْعُ لَيْلَةٍ، وَاللَّيَالِي جمع الجمع، والنهار جمع نُهُرٌ، وَقَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: ٣٧] {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} [البقرة: ١٦٤] يَعْنِي: السُّفُنَ وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ يُؤَنَّثُ، وَفِي الْوَاحِدِ يُذَكَّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَاحِدِ وَالتَّذْكِيرِ: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصَّافَّاتِ: ١٤٠] وَقَالَ فِي الْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يُونُسَ: ٢٢] {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} [البقرة: ١٦٤] الآية في الفلك: تسخيرها وجريها عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَهِي مُوقَرَةٌ لَا تَرْسُبُ تَحْتَ الْمَاءِ، {بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: ١٦٤] يَعْنِي: رُكُوبَهَا وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ وَأَنْوَاعِ الْمُطَالِبِ، {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} [البقرة: ١٦٤] يَعْنِي: الْمَطَرَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمَاءِ السَّحَابَ، يَخْلُقُ اللَّهُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ ثُمَّ مِنَ السَّحَابِ يَنْزِلُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ الْمَعْرُوفَةَ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّحَابِ ثُمَّ مِنَ السَّحَابِ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، {فَأَحْيَا بِهِ} [البقرة: ١٦٤] أَيْ: بِالْمَاءِ {الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: ١٦٤] أي: بعد يبسها وجدوبتها، {وَبَثَّ فِيهَا} [البقرة: ١٦٤] أَيْ: فَرَّقَ فِيهَا {مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [البقرة: ١٦٤] وَالرِّيحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَتَصْرِيفُهَا أَنَّهَا يتصرف إِلَى الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، وَالْقَبُولِ وَالدَّبُّورِ وَالنَّكْبَاءِ، وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ لَيِّنًا، وَتَارَةً تَكُونُ عَاصِفًا، وتارة تكون حارة، وتارة بَارِدَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ الرِّيحُ وَالْمَاءُ، وَسُمِّيَتِ الرِّيحُ رِيحًا لِأَنَّهَا تُرِيحُ النُّفُوسَ {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ} [البقرة: ١٦٤] أَيِ: الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ، سُمِّيَ سَحَابًا لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ، أَيْ يَسِيرُ فِي سُرْعَةٍ كَأَنَّهُ يَسْحَبُ أَيْ يَجُرُّ {بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٤] فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وصانعا.
[١٦٥] قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ} [البقرة: ١٦٥] يعني: المشركين، {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: ١٦٥] أَيْ أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا، {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥] أَيْ: يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ، فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] أَيْ: أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute